كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 3)

إِذَا بُشِّرَ بِعَذَابِ اللهِ وَسَخَطِهِ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ وَكَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ.
وَفِي أُخرَى: وَالمَوتُ قَبلَ لِقَاءِ اللهِ.
رواه أحمد (6/ 44 و 55)، والبخاري (6507)، ومسلم (2684) (15 و 16)، والترمذي (1067)، والنسائي (4/ 10)، وابن ماجه (4264).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في طريق آخر فقال: ولقاء الله بعد الموت.
وفي هذا الحديث ما يدلّ على أنه لا يخرج أحدٌ من هذه الدار حتى يعلم ما له عند الله تعالى من خير أو شر، وقد قيل ذلك في قوله تعالى: {لَهُمُ البُشرَى فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا}
وهذه الكراهية للموت هي الكراهية الطبيعية التي هي راجعة إلى النفرة عن المكروه والضرر واستصعاب ذلك على النفوس، ولا شك في وجدانها لكلِّ أحد، غير أن مَن رزقه الله تعالى ذوقًا من محبته أو انكشف له شيء من جمال حضرته غلب عليه ما يجده من خالص محبته، فقال عند أزوف رحلته مخاطبًا للموت وسكرته كما قال معاذ رضي الله عنه: حبيبٌ جاء على فاقة، لا أفلح اليوم من ندم!
وكان يقول عند اشتداد السكرات: اخنُقنِي خنقَك، فوَحقِّكَ إن قلبي ليحبُّك!
* * *
وَاللَّهِ لَولَا الله مَا اهتَدَينَا ... وَلَا تَصَدَّقنَا وَلَا صَلَّينَا
فَأَنزِلَن سَكِينَةً عَلَينَا ... إِنَّ الأُلَى قَد بَغوا عَلَينَا
زَادَ فِي رواية: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للمهاجرين والأنصار.
رواه البخاري (4104)، ومسلم (1803)، والرواية الثانية عند مسلم (1804) من حديث سهل بن سعد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بخيلهم الخندق منهزمين إلى قومهم. ونقضت قريظة ما كان بينها وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وعاونوا الأحزاب عليه، واشتد البلاء على أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ جاء عدوهم من فوقهم، ومن أسفل منهم، فأقام المسلمون على تلك الحال قريبًا من شهر إلى أن خذل الله بين قريش وبين بني قريظة على يدي نعيم بن مسعود الأشجعي (¬1)، فاختلفوا، وأرسل الله عليهم ريحًا عاصفةً في ليال شديدة البرد، فجعلت تقلب آنيتهم، وتطفئ نيرانهم، وتكفأ قدورهم، حتى أشرفوا على الهلاك. فارتحلوا متفرقين في كل وجه، لا يلوي أحدٌ على أحدٍ. وكفى الله المؤمنين القتال. ثم إن رسول الله خرج إلى بني قريظة، فحاصرهم حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ، كما تقدم.
وقوله: (فأنزلن سكينة علينا)؛ السكينة: السكون، والثبات، والطمأنينة.
وقوله: (إن الأولى)؛ كذا صحَّت الرواية الأولى بالقصر، فيحتمل أن يريد به مؤنث الأول، ويكون معناه: إن الجماعة السابقة بالشر بغوا علينا. ويحتمل أن تكون (الألى) هي الموصولة بمعنى الذين، كما قال:
ويأشبني فيها الألى لا يلونها ... ولو علموا لم يأشبوني بباطل
¬__________
(¬1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).

الصفحة 644