كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 3)

يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيتَ إِن قُتِلتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أيُكَفَّرُ الله عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يقدر عليه، كما كان في أوّل الإسلام، وكما قد تعيَّن في هذه الأزمان (¬1)؛ إذ قد استولى على المسلمين أهل الكفر والطغيان، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وأمَّا إذا لم يتعين فحينئذ تكون الصلاة أفضل منه، على ما جاء في حديث أبي ذر؛ إذ سُئل عن أفضل الأعمال فقال: (الصلاة على مواقيتها) (¬2).
وقول السَّائل: (أرأيت إن قتلت في سبيل؛ أتكفر عني خطاياي)؛ هذا بحكم عمومه يشمل جميع الخطايا، ما كان من حقوق الله تعالى، وما كان من حقوق الآدميين. فجوابه بـ (نعم) مطلقًا يقتضي تكفير جميع ذلك، لكن الاستثناء الوارد بعد هذا يبيّن أن هذا الخبر ليس على عمومه؛ وإنما يتناول حقوق الله تعالى خاصَّة لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إلا الدَّين). وذكره الدَّين تنبيه على ما في معناه من تعلق حقوق الغير بالذمم، كالغصب، وأخذ المال بالباطل، وقتل العمد، وجراحه، وغير ذلك من التبعات، فإن كل هذا أولى بأن لا يغفر بالجهاد من الدَّين، لكن هذا كله إذا امتنع من أداء الحقوق مع تمكنه منه، وأما إذا لم يجد للخروج من ذلك سبيلًا؛ فالمرجو من كرم الله تعالى إذا صدق في قصده، وصحت توبته أن يُرضي الله تعالى خصومه عنه، كما قد جاء نصًّا في حديث أبي سعيد الخدري المشهور في هذا، وقد دلَّ على صحة ما ذكرناه قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة) (¬3)، الحديث، وسيأتي إن شاء الله تعالى. ولا يلتفت إلى قول من قال: إن هذا الذي ذكره من الدَّين إنما كان قبل قوله -صلى الله عليه وسلم-: (من ترك دينًا أو ضياعًا فعليَّ) (¬4)، الحديث؛ يشير بذلك إلى أن ذلك المعنى منسوخ. فإنه قول باطل
¬__________
(¬1) في (ع): الأوقات.
(¬2) رواه البخاري (527)، ومسلم (85) من حديث عبد الله بن مسعود.
(¬3) رواه أحمد (2/ 235)، ومسلم (2582)، والترمذي (2420).
(¬4) رواه البخاري (5371)، ومسلم (1619)، والترمذي (1070)، والنسائي (4/ 66).

الصفحة 713