كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 3)

[1351] وعَن مَسرُوقٍ قَالَ: سَأَلنَا عَبدَ اللَّهِ عَن هَذِهِ الآيَةِ: {وَلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وفيه من الفقه: جواز تأخير الاستثناء قدرًا قليلًا؛ لأنه أطلق أولًا، فلما ولى دعاه، فذكر له الاستثناء، وقد يجاب عنه: بأنه لما أراد أن يستثني أعاد اللفظ الأوّل، ووصل الاستثناء به في الحال، فلا يجوز التأخير، ويدل على ذلك: أن الاستثناء والتخصيص وغيرهما الصادرة عنه -صلى الله عليه وسلم- كلٌّ من عند الله، لا من عند النبي -صلى الله عليه وسلم- بالاجتهاد، وقد تقدَّم الاختلاف في هذا الأصل.
وقول مسروق: (سألنا عبد الله عن هذه الآية)؛ هو عبد الله بن مسعود، وهكذا في رواية أبي بحر: (سألنا عبد الله بن مسعود)، ومن قال فيه: عبد الله بن عمرو فقد أخطأ.
وقول عبد الله: (أما إنا سألنا عن ذلك فقال)؛ كذا صحَّت الرواية، ولم يذكر فيها (رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)، وهو المراد منها قطعًا. ألا ترى قوله: (فقال)؛ وأسند الفعل إلى ضميره، وإنما سكت عنه للعلم به، فهو مرفوع، وليس هذا المعنى الذي في هذا الحديث مما يتوصل إليه بعقل ولا قياس، وإنما يُتوصل إليه بالوحي، فلا يُقال: هو موقوف على عبد الله بن مسعود.
وقد تضمَّن هذا الحديث تفسير قوله تعالى: {بَل أَحيَاءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقُونَ} وأن معنى حياة الشهداء: أن لأرواحهم من خصوص الكرامة ما ليس لغيرهم، بأن جعلت في جوف طير، كما في هذا الحديث، أو في حواصل طير خضر، كما في الحديث الآخر، صيانة لتلك الأرواح، ومبالغة في إكرامها، لإطلاعها على ما في الجنة من المحاسن والنعم، كما يطلع الراكب المظلل عليه بالهودج الشفاف؛ الذي لا يحجب عما وراءه. ثم يدركون في تلك الحال التي يسرحون فيها من روائح الجنة، وطيبها، ونعيمها، وسرورها ما يليق بالأرواح مما ترتزق وتنتعش به. وأما اللذات الجسمانية فإذا أعيدت تلك الأرواح إلى أجسادها استوفت من النعيم جميع ما أعدَّ الله تعالى لها، ثم إن أرواحهم بعد سرحها في

الصفحة 715