كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 3)

تَحسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَموَاتًا بَل أَحيَاءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقُونَ} فقَالَ: أَمَا إِنَّا سَأَلنَا عَن ذَلِكَ فَقَالَ: إن أَروَاحُهُم فِي جَوفِ طَيرٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الجنة ترجع تلك الطير بهم إلى مواضع مكرَّمة مشرَّفة منوَّرة عبّر عنها بالقناديل؛ لكثرة أنوارها، وشدّتها. والله تعالى أعلم.
وهذه الكرامات كلها مخصوصة بالشهداء كما دلت عليه الآية وهذا الحديث، وأما حديث مالك الذي قال فيه: (إنما نسمة المؤمن طائر يعلّق في ثمر الجنة) (¬1)؛ فالمراد بالمؤمن هنا: الشهيد.
والحديثان واحد في المعنى، وهو من باب حمل المطلق على المقيد. وقد دل على صحة هذا قوله في الحديث الآخر: (إذا مات الإنسان عرض عليه مقعده بالغداة والعشي من الجنة والنار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة) (¬2)؛ فالمؤمن غير الشهيد هو الذي يُعرض عليه مقعده من الجنة وهو في موضعه من القبر أو الصور، أو حيث شاء الله تعالى غير سارح في الجنة، ولا داخل فيها؛ وإنما يدرك منزلته فيها بخلاف الشهيد؛ فإنه يباشر ذلك ويشاهده وهو فيها، على ما تقدَّم، وكذلك أرواح الكفار تشاهد ما أعد الله لها من العذاب عند عرض ذلك عليها، كما قال تعالى في آل فرعون: {النَّارُ يُعرَضُونَ عَلَيهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدخِلُوا آلَ فِرعَونَ أَشَدَّ العَذَابِ} وعند هذا العرض تدرك روح الكافر من الألم، والتخويف، والحزن، والعذاب بالانتظار ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. فنسأل الله العافية. كما أنه يحصل للمؤمن عند عرض الجنة من الفرح، والسرور، والتنعم بانتظار المحبوب ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. فإذا أعيدت الأرواح إلى الأجساد استكمل كل فريق منهم ما أعد الله له. وبهذا الذي ذكرناه تلتئم الأحاديث، وتتفق. والله الموفق.
¬__________
(¬1) رواه مالك في الموطأ (1/ 240).
(¬2) رواه أحمد (5/ 51)، والبخاري (6515)، والنسائي (4/ 107)، وابن ماجه (4270).

الصفحة 716