كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 3)

إِلَى تِلكَ القَنَادِيلِ، فَاطَّلَعَ إِلَيهِم رَبُّهُم عز وجل اطِّلَاعَةً فَقَالَ: هَل تَشتَهُونَ شَيئًا؟ قَالَوا: أَيَّ شَيءٍ نَشتَهِي؟ وَنَحنُ نَسرَحُ مِن الجَنَّةِ حَيثُ شِئنَا؟ ! فَفَعَلَ بِهِم ذلك ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأَوا أَنَّهُم لَن يُترَكُوا مِن أَن يُسأَلُوا قَالَوا:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فردًا؟ فذهبت طائفة من جلّة علماء أهل السنة إلى أنه جسم لطيف مشابك لجميع أجزاء البدن، أجرى الله العادة ببقائه في الجسم ما دام حيًّا، فإذا أراد الله تعالى إماتة الحيوان نزعه منه، وأزال اتصاله بالحياة، وأعقبها بالموت. وأطبق معظم المتكلمين من أهل السنة على أنه جزء فرد من أجزاء القلب، أو غيره مما يكون في الإنسان، أجرى الله العادة بحياة ذلك الجسم ما دام ذلك الجزء متصلًا به. والله تعالى أعلم، وأحكم، والتسليم أولى وأسلم.
والذي اتفق أهل التحقيق عليه: أنه محدث مخترع؛ لأنه متغير، وكل متغير محدث على ما يُعرف في موضعه، ولا يلتفت لقول من قال: إن الروح قديم؛ إذ لا قديم إلا الله تعالى، على ما يُعرف في موضعه، ولا يلتفت أيضًا لقول التناسخية القائلين بأن الأرواح تنتقل إلى أجساد أخر، فأهل السعادة ينقلون إلى أجساد حسنة مشرقة مرفهة، فتتنعم بها، كما جاء في هذه الأحاديث، وأهل الشقاء تنقل أرواحهم إلى أجسام خسيسة قبيحة، فتعذب فيها، حتى إذا استوفت أمد عقابها رجعت إلى أحسن بنية، وهكذا أبدًا. وهذا معنى الإعادة والثواب والعقاب عندهم. وهو قول مناقض لما جاءت به الشريعة، ولما أجمعت الأمة عليه، ومعتقده يكفر قطعًا، فإنه أنكر ما علم قطعًا من إخبار الله تعالى، وإخبار نبيه -صلى الله عليه وسلم- عن أمور الآخرة، وعن تفاصيل أحوالها، وأن الأمر ليس على شيء مما قالوه. فالتناسخ والقول به باطل، محال عقلًا، على ما يُعرف في علم الكلام.
وقوله: (فاطلع إليهم ربهم اطلاعة)؛ أي: تجلى لهم برفع حجبهم، وكلمهم مشافهة بغير واسطة، مبالغة في الإكرام، وتتميمًا للإنعام.

الصفحة 718