كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 3)

وفي رواية: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ غَضَبًا، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً؟ قَالَ: فَرَفَعَ رَأسَهُ إِلَيهِ، وَمَا رَفَعَ رَأسَهُ إِلَيهِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا فَقَالَ: مَن قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُليَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
رواه أحمد (4/ 392)، والبخاري (123)، ومسلم (1904) (149 و 151)، وأبو داود (2517)، والترمذي (1646)، والنسائي (6/ 23)، وابن ماجه (2783).
ـــــــــــــــــــــــــــــ
العبادة الغرضَ الدنيوي وحده، بحيث لو فُقِد ذلك الغرضُ لتُرِك العمل. فأما لو انبعث لتلك الحالة (¬1) لمجموع الباعثَينِ- باعث الدنيا وباعث الدين-؛ فإن كان باعثُ الدنيا أقوى، أو مساويًا ألحق القسم الأول في الحكم بإبطال ذلك عند أئمة هذا الشأن، وعليه يدل قولُه -صلى الله عليه وسلم- حكاية عن الله تبارك وتعالى: (مَن عَمِل عملًا أشركَ معي فيه غيري تركتُه وشريكه) (¬2). فأما لو كان باعثُ الدِّين أقوى؛ فقد حكم المحاسبي (¬3) رحمه الله بإبطال ذلك العمل؛ متمسكًا بالحديث المتقدِّم، وبما في معناه، وخالفه في ذلك الجمهور، وقالوا بصحة ذلك العمل، وهو الأقدم في فروع مالك. ويُستدلُ على هذا بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إن من خير معايش الناس رجلا ممسكا فرسه في سبيل الله) (¬4)، فجعل الجهاد مما يصح أن يُتخذ للمعاش، ومن ضرورة ذلك أن يكونَ مقصودًا، لكن لما كان باعثُ الدِّين على الجهاد هو الأقوى والأغلب، كان ذلك الغرض مُلغى، فيكون معفوًّا عنه؛ كما إذا توضأ قاصِدًا رَفع الحدث والتبرُّد، فأما لو تفرَّد باعثُ الدِّين بالعمل، ثم عرض باعث الدنيا في أثناء العمل فأولى بالصحة. وللكلام في هذا موضع آخر، وما ذكرناه كافٍ هنا.
¬__________
(¬1) في (ج 2): العبادة.
(¬2) رواه أحمد (2/ 301 و 435).
(¬3) هو: الحارث بن أسد المحاسبي، من أكابر الصوفية، كان عالمًا بالأصول والمعاملات، توفي سنة (243 هـ).
(¬4) رواه مسلم (1889).

الصفحة 743