كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 3)
يحصل منها فِي الْغَالِبِ اخْتِلَافٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا إِلَّا فِي الْقِرَاءَاتِ حَسْبَمَا نَقَلَهُ الْعُلَمَاءُ الْمُعْتَنُونَ بِهَذَا الشَّأْنِ. فَلَمْ يُخَالِفْ فِي الْمَسْأَلَةِ إِلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، فَإِنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ طَرْحِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْقِرَاءَةِ الْمُخَالِفَةِ لِمَصَاحِفِ عُثْمَانَ، وَقَالَ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ، وَيَا أَهْلَ الْكُوفَةِ اكْتُمُوا الْمَصَاحِفَ الَّتِي عِنْدَكُمْ وَغُلُّوهَا؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (¬1)، (فالقوا الله بِالْمَصَاحِفِ) (¬2).
فَتَأَمَّلْ كَلَامَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِي جَمْعِهِ، وَإِنَّمَا خَالَفَ (أَمْرًا) (¬3) آخَرَ، وَمَعَ ذَلِكَ فقد قال ابن (شهاب) (¬4): بَلَغَنِي أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رِجَالٌ مِنْ أَفَاضِلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (¬5).
وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا صَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُمْ رَأَوْهُ مَصْلَحَةً تُنَاسِبُ تَصَرُّفَاتِ الشَّرْعِ قَطْعًا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى حِفْظِ الشَّرِيعَةِ/ وَالْأَمْرُ بِحِفْظِهَا مَعْلُومٌ، وَإِلَى مَنْعِ الذَّرِيعَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِي أَصْلِهَا الَّذِي هُوَ الْقُرْآنُ، وَقَدْ عُلم النَّهْيُ عَنِ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ.
وَإِذَا اسْتَقَامَ هَذَا الْأَصْلُ فَاحْمِلْ عَلَيْهِ كَتْبَ الْعِلْمِ مِنَ السُّنَنِ وَغَيْرِهَا، إِذَا خِيفَ عَلَيْهَا الِانْدِرَاسُ، زِيَادَةً عَلَى مَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ مِنَ الْأَمْرِ بكَتْبِ الْعِلْمِ.
وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يَكُونَ كَتْبَ هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي وَضَعْتُ يَدِي فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ؛ لِأَنِّي رَأَيْتُ بَابَ الْبِدَعِ فِي كَلَامِ العلماء مُغْفَلاً جداً إلا من النقل (الجملي) (¬6) / كما (نقل) (¬7) ابن وضاح (¬8)، أو يؤتى (فيه) (¬9) بأطراف من
¬_________
(¬1) سورة آل عمران: الآية (161).
(¬2) في سائر النسخ: "وألقوا إليه بالمصاحف، والمثبت من (غ) و (ر) وسنن الترمذي، والأثر أخرجه الترمذي بعد سياقه للحديث السابق، وأخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (6 ـ 49).
(¬3) في (غ) و (ر): "في أمر".
(¬4) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "هشام"، والصواب ابن شهاب، وفي الترمذي (3104) قال الزهري.
(¬5) انظر: الترمذي (3104).
(¬6) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "الجلي".
(¬7) في (ر): "فعل".
(¬8) الإمام الحافظ المحدث أبو عبد الله محمد بن وضاح المرواني، تقدمت ترجمته (1 39).
(¬9) ما بين القوسين زيادة من (غ) و (ر).
الصفحة 15