كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 3)
عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ، فَإِنَّ ذَلِكَ سَائِغٌ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَدْرِ الضَّرُورَةِ، وَيَرْتَقِيَ إِلَى قَدْرِ الحاجة في الوقت والملبس والمسكن، إذ لو (اقتصروا) (¬1) عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ لَتَعَطَّلَتِ الْمَكَاسِبُ وَالْأَشْغَالُ/، وَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ فِي مُقَاسَاةِ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَهْلِكُوا، وَفِي ذَلِكَ خَرَابُ الدِّينِ، لَكِنَّهُ لَا ينتهي إلى (مقدار) (¬2) التَّرَفُّهِ وَالتَّنَعُّمِ، كَمَا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى مِقْدَارِ الضَّرُورَةِ.
وَهَذَا مُلَائِمٌ لِتَصَرُّفَاتِ الشَّرْعِ، وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى عَيْنِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ أَجَازَ أَكْلَ/ الْمَيْتَةِ (لِلْمُضْطَرِّ) (¬3)، وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْخَبَائِثِ الْمُحَرَّمَاتِ.
وَحَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ الِاتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِ الشِّبَعِ عِنْدَ تَوَالِي الْمَخْمَصَةِ (¬4)، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا إِذَا لَمْ (تَتَوَالَ) (¬5) هَلْ يَجُوزُ لَهُ الشِّبَعُ أَمْ لَا؟ وَأَيْضًا فَقَدَ أَجَازُوا أَخْذَ مَالِ الْغَيْرِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ أَيْضًا، فَمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يَقْصُرُ عَنْ ذَلِكَ.
وَقَدْ بَسَطَ الْغَزَالِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْإِحْيَاءِ بَسْطًا شَافِيًا جداً (¬6)، وذكرها (أيضاً) (¬7) في كتبه الأصولية كالمنخول (¬8)، وشفاء (الغليل) (¬9).
الْمِثَالُ الثَّامِنُ:
أَنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ، وَالْمُسْتَنَدُ فِيهِ الْمَصْلَحَةُ الْمُرْسَلَةُ؛ إِذْ لَا نَصَّ عَلَى عَيْنِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَكِنَّهُ (مَنْقُولٌ) (¬10) عَنْ عُمَرَ بن الخطاب رضي الله عنه (¬11)،
¬_________
(¬1) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "اقتصر".
(¬2) زيادة من (غ) و (ر).
(¬3) ساقطة من (غ) و (ر).
(¬4) انظر: أحكام القرآن (1 55)، في تفسير سورة البقرة: الآية (173).
(¬5) في (م) و (ت): "تتوالى".
(¬6) انظر: الإحياء (4 191).
(¬7) زيادة من (م) و (غ) و (ر).
(¬8) المنخول (ص365).
(¬9) في (ط): "العليل". وانظر: شفاء الغليل (ص245 ـ 246).
(¬10) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "المنقول".
(¬11) قتل الجماعة بالواحد: أخرجه البخاري في كتاب الديات، باب إذا أصاب قوم من رجل هل يعاقب أم يقتص منهم كلهم برقم (6896) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن غلاماً قتل غيلة، فقال عمر: لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم. وروى ابن أبي شيبة في المصنف (9 296) برقم (7529)، عن سعيد بن المسيب: أن عمر قتل ثلاثة نفر من=