كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 3)

وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ كَثِيرٌ.
وَلِذَلِكَ الْتَزَمَ مَالِكٌ فِي الْعِبَادَاتِ عَدَمَ الِالْتِفَاتِ إِلَى الْمَعَانِي وَإِنْ ظَهَرَتْ/ لِبَادِي الرَّأْيِ، وُقُوفًا مَعَ مَا فُهِمَ مِنْ مَقْصُودِ الشَّارِعِ فِيهَا مِنَ التَّسْلِيمِ (لها) (¬1) عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ/ فِي إِزَالَةِ الْأَخْبَاثِ/ وَرَفْعِ الْأَحْدَاثِ، إِلَى مُطْلَقِ النَّظَافَةِ الَّتِي اعْتَبَرَهَا غَيْرُهُ، حَتَّى اشْتَرَطَ فِي رَفْعِ الْأَحْدَاثِ النِّيَّةَ، وَلَمْ يَقُمْ غَيْرُ الْمَاءِ مَقَامَهُ عِنْدَهُ وَإِنْ حَصَلَتِ النَّظَافَةُ، حَتَّى يَكُونَ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَامْتَنَعَ مِنْ إِقَامَةِ غَيْرِ التَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ وَالْقِرَاءَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ مَقَامَهَا فِي التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ/ وَالْإِجْزَاءِ، وَمَنَعَ مِنْ إِخْرَاجِ القِيَم فِي الزَّكَاةِ، (وَاقْتَصَرَ) (¬2) فِي الْكَفَّارَاتِ عَلَى مُرَاعَاةِ الْعَدَدِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَدَوَرَانِهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى الْوُقُوفِ مَعَ مَا حَدَّهُ الشَّارِعُ دُونَ مَا يَقْتَضِيهِ مَعْنًى مُنَاسِبٌ ـ إِنْ تَصَوَّرَ ـ لِقِلَّةِ ذَلِكَ فِي التَّعَبُّدَاتِ وَنُدُورِهِ، بِخِلَافِ قِسْمِ الْعَادَاتِ الَّذِي هُوَ جَارٍ عَلَى الْمَعْنَى الْمُنَاسِبِ الظَّاهِرِ لِلْعُقُولِ؛ فَإِنَّهُ اسْتَرْسَلَ فِيهِ اسْتِرْسَالَ الْمُدِلِّ الْعَرِيقِ/ فِي فَهْمِ الْمَعَانِي الْمَصْلَحِيَّةِ، نَعَمْ (مَعَ) (¬3) مُرَاعَاةِ مَقْصُودِ الشَّارِعِ أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْهُ، وَلَا يُنَاقِضَ أَصْلًا مِنْ أُصُولِهِ، حَتَّى لَقَدِ اسْتَشْنَعَ الْعُلَمَاءُ كَثِيرًا مِنْ وُجُوهِ اسْتِرْسَالِهِ زَاعِمِينَ أَنَّهُ خَلَعَ الرِّبْقَةَ (¬4)، وَفَتَحَ بَابَ التَّشْرِيعِ، وَهَيْهَاتَ مَا أَبْعَدَهُ مِنْ ذَلِكَ ـ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ بَلْ هُوَ الَّذِي رَضِيَ لِنَفْسِهِ فِي فِقْهِهِ بِالِاتِّبَاعِ، بِحَيْثُ يُخَيَّلُ لِبَعْضٍ (الناس) (¬5) أَنَّهُ مُقَلِّدٌ لِمَنْ قَبْلُهُ، بَلْ هُوَ صَاحِبُ البصيرة في دين الله ـ حسبما بين (ذلك) (¬6) أصحابه في (كتب) (¬7) سِيَرِهِ.
بَلْ حُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يُبْغِضُ مَالِكًا
¬_________
(¬1) زيادة من (م) و (غ) و (ر).
(¬2) في (ط) و (خ): "واختصر".
(¬3) ساقطة من (غ) و (ر).
(¬4) الربق بكسر الراء المشددة وفتحها: الخيط، واستعيرت للإسلام، فتقول: خلع ربقة الإسلام: أي عقده. انظر لسان العرب مادة ربق.
(¬5) زيادة من (غ) و (ر).
(¬6) زيادة من (م).
(¬7) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "كتاب".

الصفحة 39