كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 3)
فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ مَزَلَّةُ قَدَمٍ أَيْضًا لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْتَدِعَ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: إِنِ اسْتَحْسَنْتُ كَذَا وَكَذَا فَغَيْرِي مِنَ الْعُلَمَاءِ قَدِ اسْتَحْسَنَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا (بُدَّ) (¬1) مِنْ فَضْلِ اعْتِنَاءٍ بِهَذَا الْفَصْلِ، حَتَّى لَا يَغْتَرَّ بِهِ جَاهِلٌ أَوْ زَاعِمٌ أَنَّهُ عَالَمٌ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ، فَنَقُولُ:
إِنَّ الِاسْتِحْسَانَ يَرَاهُ مُعْتَبَرًا فِي الْأَحْكَامِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، بِخِلَافِ الشَّافِعِيِّ (¬2) فَإِنَّهُ مُنْكِرٌ لَهُ جِدًّا حَتَّى قَالَ: من استحسن فقد شرَّع (¬3). والذي يُستقرى مِنْ/ مَذْهَبِهِمَا أَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى الْعَمَلِ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ، (هَكَذَا) (¬4) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، قَالَ: فَالْعُمُومُ إِذَا اسْتَمَرَّ، وَالْقِيَاسُ إِذَا اطَّرَدَ، فَإِنَّ مَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ يَرَيَانِ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ بِأَيِّ دَلِيلٍ كَانَ مِنْ ظَاهِرٍ أَوْ مَعْنَى ـ قَالَ ـ وَيَسْتَحْسِنُ مَالِكٌ أَنْ يَخُصَّ بِالْمَصْلِحَةِ، وَيَسْتَحْسِنُ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ يَخُصَّ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ مِنَ الصَّحَابَةِ الْوَارِدِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ ـ قَالَ ـ: وَيَرَيَانِ مَعًا تَخْصِيصَ الْقِيَاسِ ونقض الْعِلَّةِ، وَلَا يَرَى الشَّافِعِيُّ لِعِلَّةِ الشَّرْعِ/ ـ إِذَا ثَبَتَ ـ تَخْصِيصًا.
هَذَا مَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. ويشعر بذلك تفسير الكرخي (¬5): أَنَّهُ الْعُدُولُ عَنِ الْحُكْمِ فِي الْمَسْأَلَةِ بِحُكْمِ نَظَائِرِهَا إِلَى خِلَافِهِ لِوَجْهٍ أَقْوَى (¬6).
وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهُ الْقِيَاسُ الَّذِي يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ؛ لأن العلة (لمَّا) (¬7) كَانَتْ عِلَّةً بِأَثَرِهَا، سَمَّوْا الضَّعِيفَ الْأَثَرِ قِيَاسًا، والقوي الأثر
¬_________
(¬1) زيادة من (ط) و (ت) و (غ) و (ر).
(¬2) انظر: روضة الناظر ص147 ـ 148، علم أصول الفقه لخلاف ص79 ـ 83، ومصادر التشريع لخلاف ص70، وأدلة التشريع المختلف في الاحتجاج بها للربيعة ص175 ـ 168، والاستصلاح للزرقا ص23 ـ 33.
(¬3) لم أجد هذا النص في كتب الشافعي، ولكن ذكره عن الشافعي جمع من العلماء منهم الآمدي في الإحكام (4 209) والإبهاج شرح المنهاج (3 188).
(¬4) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "وهكذا".
(¬5) هو أبو الحسن عبيد الله بن الحسين بن دلال البغدادي الكرخي، انتهت إليه رئاسة المذهب، توفي سنة 340هـ. انظر: تاريخ بغداد (10 353)، والجواهر المضية (1 306)، السير (15 426)، وغير ذلك.
(¬6) انظر: الإحكام للآمدي (4 158).
(¬7) زيادة من (غ) و (ر). وفي هامش (ت): "إن".