كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 3)
اسْتِحْسَانًا، أَيْ قِيَاسًا مُسْتَحْسَنًا، وَكَأَنَّهُ/ نَوْعٌ مِنَ الْعَمَلِ بِأَقْوَى الْقِيَاسَيْنِ، وَهُوَ يَظْهَرُ مِنِ اسْتِقْرَاءِ مَسَائِلِهِمْ فِي الِاسْتِحْسَانِ بِحَسَبِ النَّوَازِلِ الْفِقْهِيَّةِ.
بَلْ قَدْ جَاءَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ/ الِاسْتِحْسَانَ تِسْعَةُ أعشار العلم (¬1). ورواه أَصْبُغُ (¬2) عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ.
قَالَ أَصْبُغُ فِي الِاسْتِحْسَانِ: قَدْ يَكُونُ أَغْلَبَ مِنَ القياس (¬3).
وجاء عن مالك: إن المغرق فِي/ الْقِيَاسِ يَكَادُ يُفَارِقُ السُّنَّةَ (¬4).
وَهَذَا الْكَلَامُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِالْمَعْنَى الَّذِي تَقَدَّمَ قَبْلُ، وَأَنَّهُ مَا يَسْتَحْسِنُهُ الْمُجْتَهِدُ بِعَقْلِهِ/ أَوْ أَنَّهُ دَلِيلٌ يَنْقَدِحُ فِي نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ تَعَسُرُ عِبَارَتُهُ عَنْهُ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَكُونُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْعِلْمِ، وَلَا أَغْلَبَ مِنَ الْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْأَدِلَّةِ.
/وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الِاسْتِحْسَانُ إِيثَارُ تَرْكِ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّرَخُّصِ، (لِمُعَارَضَةِ) (¬5) مَا يُعَارَضُ بِهِ فِي بَعْضِ مُقْتَضَيَاتِهِ، وقسَّمه أَقْسَامًا عدَّ مِنْهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامِ، وَهِيَ: تَرْكُ الدَّلِيلِ للعرف، وتركه للمصلحة، (وتركه للإجماع) (¬6)، وتركه (في اليسير) (¬7) لِرَفْعِ الْمَشَقَّةِ (وَإِيثَارِ التَّوْسِعَةِ) (¬8).
وحدَّه غَيْرُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِأَنَّهُ عِنْدَ مَالِكٍ: اسْتِعْمَالُ مَصْلَحَةٍ جُزْئِيَّةٍ فِي مُقَابَلَةِ قِيَاسٍ كُلِّيٍّ. قَالَ: فَهُوَ تَقْدِيمُ الِاسْتِدْلَالِ الْمُرْسَلِ عَلَى الْقِيَاسِ.
وَعَرَّفَهُ ابْنُ رُشْدٍ فَقَالَ: الِاسْتِحْسَانُ الَّذِي يَكْثُرُ استعماله حتى يكون
¬_________
(¬1) أخرجه ابن حزم في الإحكام بسند متصل (6 16).
(¬2) هو أصبغ بن الفرج بن نافع المصري المالكي، تقدمت ترجمته (1/ 26).
(¬3) انظر: الإحكام لابن حزم (6 16).
(¬4) لم أجده عن مالك، وقد جعله المصنف من قول أصبغ لا مالكاً كما في الموافقات (4 210).
(¬5) في هامش (ت) كتبت: "لمعاوضة".
(¬6) زيادة من (غ) و (ر).
(¬7) في (ط) و (خ) و (ت): "لليسير".
(¬8) في (ت): "وإيثاراً للتوسعة".
الصفحة 48