كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 3)
ولا كونه (مناسباً) (¬1) بِحَيْثُ إِذَا عُرِضَ عَلَى الْعُقُولِ تَلَقَّتْهُ بِالْقَبُولِ. وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي الْبِدَعِ الْمُسْتَحْسَنَةِ؛ فَإِنَّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى أُمُورٍ فِي الدِّينِ مَصْلَحِيَّةٍ ـ فِي زَعْمِ وَاضِعِيهَا ـ فِي الشَّرْعِ عَلَى الْخُصُوصِ.
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنْ كَانَ اعْتِبَارُ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ حَقًّا، فَاعْتِبَارُ الْبِدَعِ الْمُسْتَحْسَنَةِ حَقٌّ، لِأَنَّهُمَا يَجْرِيَانِ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ.
/وَإِنْ لَمْ يَكُنِ اعْتِبَارُ الْبِدَعِ حَقًّا، لَمْ يَصِحَّ اعْتِبَارُ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْقَوْلَ بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، بَلْ قَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْأُصُولِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
فَذَهَبَ الْقَاضِي (¬2) وَطَائِفَةٌ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ إِلَى رَدِّهِ، وَأَنَّ الْمَعْنَى لَا يُعْتَبَرُ مَا لَمْ يَسْتَنِدْ إِلَى أَصْلٍ، وَذَهَبَ مَالِكٌ (¬3) إِلَى اعْتِبَارِ ذَلِكَ (وَبَنَى) (¬4) الْأَحْكَامَ عَلَيْهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمُعْظَمُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى التَّمَسُّكِ بِالْمَعْنَى/ الَّذِي لَمْ يَسْتَنِدْ إِلَى أَصْلٍ صَحِيحٍ، لَكِنْ بِشَرْطِ قُرْبِهِ مِنْ مَعَانِي الْأُصُولِ الثَّابِتَةِ، هَذَا مَا حَكَى الْإِمَامُ الْجُوَيْنِيُّ (¬5).
وَذَهَبَ الْغَزَالِيُّ إِلَى أَنَّ الْمُنَاسِبَ إِنْ وَقَعَ فِي رُتْبَةِ التَّحْسِينِ وَالتَّزْيِينِ لَمْ يُعْتَبَرْ حَتَّى يَشْهَدَ لَهُ أصل لمعين، وَإِنْ/ وَقَعَ فِي رُتْبَةِ الضَّرُورِيِّ فَمَيْلُهُ إِلَى قَبُولِهِ، لَكِنْ (بِشَرْطٍ) (¬6). قَالَ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يؤدي إليه اجتهاد/ مجتهد.
¬_________
(¬1) في (ط): "قياسا".
(¬2) وهو القاضي الباقلاني ووافقه أكثر الشافعية، والمتأخرون من الحنابلة، وبعض الحنفية. انظر: تيسير التحرير (4 171)، والإحكام للآمدي (4 160).
(¬3) ذهب مالك إلى أنه حجة مطلقاً، وهو منقول عن الشافعي في القديم. انظر: شرح تنقيح الفصول (446 ـ 447)، وشرح الإسنوي (3 135).
(¬4) في (غ) و (ر): "وبناء".
(¬5) انظر: البرهان (2 1113).
(¬6) في (غ) و (ر): "بشروط".
الصفحة 6
520