كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 3)
بَعْضِ السَّلَاطِينِ فَسَأَلَهُ عَنِ الْوِقَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَقَالَ: عَلَيْكَ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَلَمَّا خَرَجَ رَاجَعَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ (وَقَالُوا لَهُ) (¬1): الْقَادِرُ عَلَى إِعْتَاقِ الرَّقَبَةِ كَيْفَ يُعْدَلُ بِهِ إِلَى الصَّوْمِ، وَالصَّوْمُ وَظِيفَةُ الْمُعْسِرِينَ، وَهَذَا الْمَلِكُ يَمْلِكُ عَبِيدًا غَيْرَ مَحْصُورِينَ؟ فَقَالَ (لَهُمْ) (¬2): لَوْ قُلْتُ لَهُ عَلَيْكَ إِعْتَاقُ رَقَبَةٍ لَاسْتَحْقَرَ ذَلِكَ وَأَعْتَقَ عَبِيدًا مِرَارًا، فَلَا يَزْجُرُهُ إِعْتَاقُ الرَّقَبَةِ، وَيَزْجُرُهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ.
فَهَذَا الْمَعْنَى مُنَاسِبٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مَقْصُودُ الشَّرْعِ مِنْهَا الزَّجْرُ، وَالْمَلِكُ لَا يَزْجُرُهُ الْإِعْتَاقُ، وَيَزْجُرُهُ الصِّيَامُ. وَهَذِهِ الْفُتْيَا بَاطِلَةٌ/ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ/ بَيْنَ قائلَين: قَائِلٌ بِالتَّخْيِيرِ، وَقَائِلٌ بِالتَّرْتِيبِ، فَيُقَدِّمُ الْعِتْقَ عَلَى الصِّيَامِ، فَتَقْدِيمُ الصِّيَامِ بالنسبة (للغني) (¬3) لَا قَائِلَ بِهِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ جَاءَ عَنْ مَالِكٍ شَيْءٌ يُشْبِهُ هَذَا، لَكِنَّهُ عَلَى صَرِيحِ الْفِقْهِ.
قَالَ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ (¬4): "حَنَثَ الرشيد في يمين فجمع العلماء فأجمعوا (على) (¬5) أَنَّ عَلَيْهِ/ عِتْقَ رَقَبَةٍ. فَسَأَلَ مَالِكًا، فَقَالَ: صيام ثلاثة أيام. (فقال: ثم أنا معدم؟ وقال الله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} فأقمتني مقام المعدم؟ فقال: نعم يا أمير المؤمنين كل ما في يديك ليس لك فعليك صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) (¬6). وَاتَّبَعَهُ عَلَى ذَلِكَ إِسْحَاقُ بن إبراهيم من فقهاء قرطبة (¬7).
¬_________
(¬1) في (م) و (غ) و (ر): "وقال".
(¬2) ما بين القوسين ساقط من (م) و (غ) و (ر).
(¬3) في (غ) و (ر): "إلى الغني".
(¬4) هو: يحيى بن عبد الله بن بكير المصري ولد سنة 155هـ سمع من مالك، والليث بن سعد وابن لهيعة وغيرهم، وأخرج له الشيخان وابن ماجه، ومات 231هـ. انظر: التاريخ الكبير (8 284)، والجرح والتعديل (9 165)، وسير أعلام النبلاء (10 612)، وتهذيب التهذيب (1 237).
(¬5) ما بين القوسين زيادة من (غ) و (ر).
(¬6) ما بين القوسين زيادة من (غ) و (ر).
(¬7) هو: شيخ المالكية بقرطبة، أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم بن مسرة التجيبي، فقيه قدوة، مات في 352هـ، هكذا قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (16 79 ـ 80)، وكرر ترجمته في (16 107)، وذكر أنه توفي في 354هـ، وذكر الضبي ترجمته في بغية الملتمس (1 287)، أنه توفي سنة 352 هـ، ومثله الحميدي في جذوة المقتبس (1 258)، ومثله ابن الفرضي في تاريخ علماء الأندلس (1/ 143).
الصفحة 9
520