كتاب شرح مسند الشافعي (اسم الجزء: 3)

وأبيعه بأعلى مما تبعه رفق أهلٍ، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأشار إلى هذا المعنى بقوله: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض" فإن كان لا يؤثر ذلك لرخص الأسعار أو لقلة المتاع فقد قيل: لا بأس؛ لأنه لا ضرر. وقيل بالمنع؛ لإطلاق النهي.
ولو التمس البدوي من الحضري أن يتربص بسلعته فهل ينهى عن إجابته؟
فيه خلاف أيضًا، ثم قيل: النهي يختص بالبيع، فأما شرى البلدي للبدوي فلا بأس به، وهذا ما حكاه الشيخ الفراء في "شرح السنة" عن الحسن البصري، قال: وذهب إليه الشافعي (¬1).
ومنهم من قال: لا يجوز أن يشتري له كما لا يجوز أن يبيع، له واسم البيع يقع على الابتياع أيضًا كما يقع اسم الشرى على البيع وهما من الأضداد، ويروى هذا عن ابن سيرين وإبراهيم النخعي، وهذا ما أورده أبو سليمان الخطابي، وقد احتج له بما روي أن ابن عباس لما روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يبيع حاضر لباد، قيل له: ما بيع حاضر لباد؟ قال: لا يكون له سمسارًا (¬2).
والسمسار: الذي يبيع ويشتري للناس.
وفي قوله: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض" ما يدل على أن بيع الحضري للبدوي وإن كان مبهمًا فهو صحيح؛ لأنه لو كان فاسدًا لم يكن فيه تفويت الرفق والرزق على الناس.
¬__________
(¬1) "شرح السنة " (8/ 122 - 123).
(¬2) رواه البخاري (2158)، ومسلم (1521/ 19).

الصفحة 103