كتاب شرح مسند الشافعي (اسم الجزء: 3)
وحديث أبي هريرة مخرج في "الصحيحين" (¬1) من طرق.
وقوله: "لولا الهجرة لكنت امرءًا من الأنصار" قال الأئمة: ليس المراد منه النسب الولادي فإن الانتقال منه حرام، وكيف ونسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشرف، وإنما المراد النسب البلادي أي: لولا أن الهجرة كانت بسبب الدين، ونسبة الهجرة دينية لا تترك لانتسبت إلى بلادكم.
وقوله: "ولو أن الناس سلكوا واديًا أو شعبًا" قيل: معناه أن أرض الحجاز كثيرة الأودية والشعاب، فإذا ضاق الطريق عن الجميع وسلك رئيس شعبًا اتبعه قومه حتى يفضوا إلى اتخاذه، وقيل: أبو هريرة أراد الرأي والمذهب كما يقال: فلان في واد وأنا في واد.
وحديث أنس مخرج أيضًا في "الصحيحين" (¬2) مع زيادات، ورواه أبو هريرة أيضًا، وروى البخاري في "الصحيح" (¬3) عن أبي نعيم، عن عبد الرحمن بن سليمان بن حنظلة، عن عكرمة عن ابن عباس قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي مات فيه بملحفة قد عصب بعصابة (سحماء) (¬4) أي: بعمامة سوداء - حتى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، إن الناس يكثرون ويقل الأنصار حتى يكونوا في الناس بمنزلة الملح في الطعام، فمن ولي منكم شيئًا يضر فيه قومًا وينفع فيه آخرين فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم
¬__________
(¬1) رواه البخاري (7244)، ولم أجده في مسلم من حديث أبي هريرة، وإنما هو من حديث أنس وعبد الله بن زيد (1059/ 133، 1061). والله أعلم.
(¬2) "صحيح البخاري" (3801)، و"صحيح مسلم" (2510).
(¬3) "صحيح البخاري" (3628).
(¬4) في "صحيح البخاري": دسماء. قلت: وكلاهما بمعنى السواد.
الصفحة 432
499