كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 3)

قال سيبويه في أول الكتاب: وأما القبيح المستقيم، فقولك:
قد زيدا رأيت، وقد فصلوا بينها وبين الفعل أيضا بالقسم، كقولك: قد لعمري بت ليلى ساهرا، وقد والله أحسنت، وحسن في (قد) الفصل، ولم يحسن الفصل بين الألف واللام، وبين ما دخلتا عليه؛ لأن (قد) تنفرد، ولا يذكر بعدها شيء فقويت بذلك، واحتمل الفصل لقول النابغة:
أقد التّرحّل غير أنّ ركابنا … لمّا تزل برحالها وكأن قد (¬1)
وقال:
تفريق أفي اليوم تقويض الأحبة أم غد … لما تبن وجها لهم وكأن قد
ومنه السين، وسوف من الفعل المستقبل كمنزلة الألف واللام في تلخيص الفعل المستقبل، وقصره عليه كقصر الألف واللام للاسم المذكور على شيء بعينه، ووجه آخر أن السين، وسوف هما إثبات (لن) و (لن) نقيضتهما، ولا يفصل بين (لن) وما تدخل عليه، فكذلك السين، وسوف، وأما (ربما) و (قلما) فإن الأصل فيهما (رب). وقل: فأما (رب) فهي حرف خفض لا يجوز أن يليها فعل ولا تدخل حروف الخفض على الأفعال، وأما (قل) فهي فعل، ولا يليها فعل، لأن الفعل لا يعمل في الفعل، وإنما حق الأسماء أن تقع بعدها، فإذا أرادوا بعدها أن تقع الأفعال أدخلوا (ما) وجعلوها مع (الذي) قبلها شيئا واحدا بمعنى حرف مهيّأ للفعل بعده، ولا تعمل شيئا، وجعلوا فيه المعنى الذي يريدونه، كما جعلوا (هلا) و (لو ما) و (لولا) وما شابهها ما أرادوها، ويجوز أن يكون أدخلوا (ما) وهي اسم، وأتوا بالفعل بعدها فصار الفعل صلة لها فانتصب و (رب) واقعة على اسم تقديره أنه مخفوض ب (رب)، قل واقعة على اسم تقديره أنه مرفوع ب (قد)، وذلك قولك: ربما يقوم زيد.
وقال الله عز وجل: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (¬2) ويقول: قلما يقوم زيد، فهذا وجه الكلام فيها، وقد تجعل (ما) زائدة، وبعدها اسم مخفوض ب (رب)، كقولك: ربما رجل خلصته من السبع.
قال الشاعر:
¬__________
(¬1) البيت في ديوانه 89، ابن يعيش 8/ 148؛ المقتضب 1/ 42.
(¬2) سورة الحجر، الآية: 2.

الصفحة 325