كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 3)

أنها لا تقع مبتدأة في اللفظ فأما كونها فاعلة فقولك: بلغني أنك منطلق كأنك قلت: بلغني انطلاقك. وكونها مفعولة: عرفت أنك خارج معناه: عرفت خروجك وكونها مبتدأة قولك: عندي أن زيدا راحل معناه: عندي رحيله. كما تقول: عندي غلامه. وكونها مخفوضة: أيقنت بأنك مقيم أي بإقامتك. ولو قلت: أنك منطلق عرفت لم يجز وإن كان يجوز أن تقول: انطلاقا عرفت. لأن " إنّ " وأنّ " من خبر واحد في الأصل فاختاروا لابتداء اللفظ " إنّ " المكسورة
وجعلوها بمنزلة الفعل المبتدأ به. وجعلوا " أنّ " لما تعلق بشيء قبله مما يحتاج إلى تقديمه عليه وتعليق معناه به. فإن قال قائل: فقد قال الله عز وجل:- وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (¬1) و " أن " متعلقة " بتدعوا " تقديره: ولا تدعوا مع الله أحدا لأن المساجد لله. وحذف اللام وقدم فصارت " أن " مقدمة في اللفظ والعامل فيها ما بعدها. فهلا أجزتم: أنّ زيدا منطلق؟ قيل له: في " أن المساجد لله " وجهان: لا يلزم فيهما كليهما ما ألزمت.
أحدهما: أن يقال: " أن المساجد لله " يعمل فيهما ما قبلها وهي على أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ والعامل فيهما " أوحي إلي " (¬2).
والوجه الآخر: " ولأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا " فقبلها " لام " مقدرة.
وأما " أن " المخففة فيبتدأ بها اللفظ كقولك: أن تخرج خير لك، كقوله عز وجل:
وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ (¬3) وأنما جاز ذلك في المخففة ولم يجز في المشددة كما ذكرنا من وقوع " أن " التي هي في معناها في التوكيد ابتداء.
ومن الدليل على أنهما بمعنى واحد تقول: ظننت أنّ زيدا منطلق. فإن أدخلت اللام قلت: ظننت إنّ زيدا لمنطلق. فالمكسورة هي المفتوحة كما أنك إذا قلت: علمت زيدا منطلق: ثم قلت: علمت لزيد منطلق. فالمبتدأ والخبر هما المفعولان في المعنى.
وهذا معنى قول سيبويه في الباب الذي يلي هذا في حسن تقدم " أن " المخففة " لأنها لا تزول من الأسماء والثقيلة تزول " يعني نستعمل مكانها المكسورة.
ومما يمنع من تقديم " أن " المفتوحة في اللفظ في قولك: " أنك منطلق بلغني " أنها إذا تقدمت ارتفعت بالابتداء وكل مبتدأ ليس قبله شئ يتعلق به يجوز دخول " إنّ " المكسورة
¬__________
(¬1) سورة الجن، الآية: 18.
(¬2) سورة الجن، الآية: 1.
(¬3) سورة البقرة، الآية: 184.

الصفحة 335