كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 3)

واعلم أنه ليس بحسن ل " أنّ " أن تلي " إنّ " ولا " أن " كما قبح ابتداؤك الثقيلة المفتوحة وحسن ابتداء الخفيفة؛ لأن الخفيفة لا تزول عن الأسماء والثقيلة تزول. فتبتدأ ومعناها مكسورة ومفتوحة سواء.
ألا ترى أنك لا تقول: " أنّ أنّك ذاهب " ولا عرفت أن أنك منطلق في الكتاب " وإنما قبح هاهنا كما قبح في الابتداء، ألا ترى أنه يقبح أن تقول: أنك منطلق بلغني أو عرفت. لأن الكلام بعد أن مستغن كما أن المبتدأ غير مستغن. وإنما كرهوا ابتداء أن لئلا يشبهوها بالأسماء التي تعمل فيها أن. ولئلا يشبهوها " بأن " الخفيفة لأن " أن " والفعل بمنزلة مصدر فعله ينصبه والمصادر تعمل فيها " إنّ " و " أنّ ".
ويقول الرجل للرجل: لم فعلت ذلك؟ فيقول: لم أنه ظريف. كأنه قال: قلت لمه؟ قلت: لأن ذلك كذلك. أراد بقوله: لم حكاية قوله: لم فعلت؟ ثم قال لأنه ظريف أي لأن ذلك كذلك.
وتقول إذا أردت أن تخبر ما يعني المتكلم: أي إني نجد. إذا ابتدأت. كما تبتدئ: أي أنا نجد وإن شئت قلت: أني نجد كأنك قلت: أي لأني نجد.
قال أبو سعيد: قوله: " فأن " مبنية على " لولا " يريد أنّها: معقودة بلو لا في المعنى الذي يقتضيه " ولولا " مقدمة عليه وليست بعاملة فيه. لأن الاسم بعد " لولا " يرتفع بالابتداء لا " بلو لا " ولزومها للاسم الذي بعدها للمعنى الذي وضعت عليه كلزوم العامل للمعمول به فشبهت به ففتحت " أنّ " ولم تكسر. لأن " إن " المكسورة إنما تدخل على مبتدأ مجرد لم يغيّر معناه بحرف قبله، وقد ذكرنا هذا في الباب الذي قبل هذا الباب، ولم يرد هو أيضا بقوله: " فأن " مبنية على " لو " أنها مبنية عليها بناء معمول على عامله، لأن " لو " لا تعمل شيئا. وإنما هو: بناء الشيء على ما يحدث فيه معنى ولم يغير لفظه ففتح " أنّ " بعد " لو " كفتحها بعد " لولا ". وذلك أنهما يتقاربان في المعنى واللفظ ويلزمان ما بعدهما للمعنى الذي أحدثاه كلزوم العامل لما بعده وتقاربهما في المعنى " أن " " لولا) يمتنع جوابها لوجود شرطها كقولك: " لولا زيد لأتيتك " امتنع الإتيان لمكان زيد. و " لو يمتنع جوابها لامتناع شرطها كقولك: " لو جاءني زيد لأتيتك " امتنع الإتيان لامتناع مجيء زيد.
والذي يلي " لولا " اسم مبتدأ. والذي يلي " لو " فعل وكلاهما لا يعمل فيما بعده. فأما " أنّ " بعد " لولا " فهي واسمها وخبرها بمنزلة اسم مبتدأ خبره محذوف كما يكون الاسم بعد

الصفحة 339