كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 3)

لأنه لو قال: أني هاهنا كان غير جائز لما ذكرناه. فأنما هاهنا بمنزلتها في قولك: زيد إنما يواخي كل بخيل. وهو كلام مبتدأ وتقول خبره " وأنما يجالس أهل الخبث " لأنك لا تقول: " أرى أيره أنه يجالس " فحسنت " أنه " هاهنا؛ لأن الآخر هو الأول.
قال أبو سعيد: " أنما " المفتوحة وما بعدها من فعل وفاعل ومبتدأ وخبر بمنزلة اسم واحد في معنى المصدر. كما أن أن المفتوحة واسمها وخبرها بمنزلة اسم واحد في معنى المصدر. والفرق بينهما: أن " أنما " أبطل عملها بدخول " ما " فصار يليها كل كلام.
ومنزلتها بعد منزلة " أنّ " بعد اسمها لأن ما بعد اسمها من رتيبة الابتداء والخبر والفعل والفاعل والشرط والجواب كقولك:
علمت أن زيدا أبوه منطلق. " وعلمت أن زيدا ينطلق أبوه " " وعلمت أن زيدا أن تأته يأتك " و " أنما " بمنزلة " أنّ " و " أنما " وما بعدها من اسم وخبر وفعل وفاعل وشرط جزاء بمنزلة " أن " واسمها إذ كان بعدها جملة. ومعنى قوله: " أنما تقتل النيام ".
أن الحارث بن ظالم المري قتل خالد بن جعفر بن كلاب وهو نائم. وكان سببه أن الحادث بن ظالم دخل على النعمان بن المنذر، وخالد جالس معه يأكل تمرا فلما رآه النعمان قال: أذن يا حار .. فقال له خالد: من ذا الذي أراك تدني أبينت اللعن .. ؟ فقال:
هذا الحارث بن ظالم.
قال للحارث: ما رأني إلا حسن البلاء عندك. قال: وما بلاؤك قال: قتلت أشراف قومك فتركتك سيدهم. قال: سأجزيك ببلائك وجلس يأكل معهم فلما خرج الحارث قال النعمان لخالد: ما أردت أن تحرش بهذا الكلب وأنت ضيف لي.
قال خالد: إنما هو عبد من عبيدي لو كنت نائما ما أيقظني. فلما أمسى النعمان بعث إلى الحارث بن ظالم بعس من خبر يعتبقه أراده أن يشغله فصبته بينه وبين جبيه في كتب. فلما أمسى الحارث بن ظالم حبى بالسيف حتى أتى خالدا وهو في قبة من أدم فوضع السيف في بطنه ثم اتكأ عليه حتى قتله ثم تحمل من تحت ليلته حتى لحق بقريش.
فلما قال ابن الإطنابة هذا الشعر أتاه الحارث متنكرا فأنبهه وهو لا يعرف الحارث فلما انتبه قال له: البس سلاحك فأنني مستنصرك. فلبس سلاحه ومشى معه حتى تنحيا من البيوت فقال له الحارث: ألست يقظان ذا سلاح؟ قال: بلى، قال: فأنا الحارث بن

الصفحة 349