كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 3)

قول ابن مقبل:
وعلمي بأسدام المياه فلم تزل … قلائص تخدي في طريق طلائح
وأنّي إذا قلت ركابي مناخها … فإنّي على حظّي من الأمر جامح (¬1)
وإن جاء في الشعر: " قد علمت أنك إذا فعلت أنك سوف تغتبط " تريد معنى " الفاء " جاز. والوجه والحد ما قلت لك أول مرة. ونظير ذلك في الابتداء لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (¬2)، ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (¬3).
وبلغنا أن الأعرج (¬4) قرأ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (¬5) ونظيره البيت الذي أنشدتك.
قال أبو سعيد: أما قوله: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ (¬6) فأن إحدى الطائفتين هو المفعول الثاني " ليعدكم " والمفعول الأول: هو الكاف والميم في " يعدكم " و " أنها لكم " بدل من " إحدى الطائفتين " وهذا بدل
اشتمال كما تقول: وعدتك أحد الثوبين ملكه. و " ملكه " بدل من " أحد الثوبين ".
وقوله عز وجل: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (¬7) " أنهم " بدل من معنى جملة " كم أهلكنا قبلهم من القرون " لأمر إنكارهم.
لأن لفظ " كم " في التقدير: منصوب " بأهلكنا " إذا كانت " كم " في الاستفهام في مذهب " ربّ " لا يعمل فيها ما قبلها. فلو أبدلنا " أنهم " من لفظ " كم " صار العامل فيها " أهلكنا "
¬__________
(¬1) البيتان في ديوانه 46، والأعلم 1/ 467.
(¬2) سورة هود، الآية: 22.
(¬3) سورة النحل، الآية: 119.
(¬4) الأعرج: هو عبد الرحمن بن هرمز أبو داود من موالي بني هاشم من أهل المدينة حافظ قارئ، أدرك أبا هريرة وكان وافر العلم توفي 117 هـ.
الأعلام: 3/ 116.
(¬5) سورة الأنعام، الآية: 54.
(¬6) سورة الأنفال، الآية: 7.
(¬7) سورة يس، الآية: 31.

الصفحة 353