كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 3)

أحقّا أن جيرتنا استقلّوا … فنيّتنا ونيّتهم فريق
وقال عمر بن أبي ربيعة:
أالحق إن دار الرّباب تباعدت … أو أنبت حبل أنّ قلبك طائر؟ (¬1)
وقال النابغة الجعدي:
ألا أبلغ بني خلف رسولا … أحقّا أنّ أخطلكم هجاني (¬2)
فكل هذه الأبيات سمعناها من أهل الثقة هكذا. والرفع في جميع هذا جيد قوي وذلك أنك إن شئت قلت: أحق أنك ذاهب. وأكبر ظنك أنك ذاهب تجعل الآخر هو الأول. وأما قولهم: " لا محالة أنك ذاهب " فإنما حملوا " أنّ " على: أن فيه إضمار " من " على قولك: (لا محالة أنك) كما تقول: (لابد أنك) كأنك قلت: لابد من أنك حين لم يجز أن يحملوا الكلام على القلب.
وسألته عن قولهم: أمّا حقا فأنك ذاهب فقال: هذا جيد. وهذا الموضع من مواضع إنّ ألا ترى أنك تقول: أما يوم الجمعة فإنك ذاهب. وأما فيها فأنك قائم وأنما جاز هذا في " أما " لأن فيها معنى يوم الجمعة مهما يكن من شئ فإنك ذاهب.
وأما قوله عز وجل: لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ (¬3) فإن " جرم " عملت لأنها فعل ومعناها: لقد حق أن لهم النار، ولقد استحق أن لهم النار.
وقول المفسرين معناها: حقا أن لهم النار يدلك أنها بمنزلة هذا الفعل إذا مثلت. " جرم " قد عملت في " أن " عملها في قول القزاري: (¬4)
ولقد طعنت أبا عيّينة طعنة … جرمت فزارة بعدها أنّ يغضبوا (¬5)
¬__________
282، سمط اللآلي 125. العيني: 2/ 235، الأشموني: 1/ 278، الهمع 2/ 71.
(¬1) الديوان: 33، الخزانة: 4/ 303، الأشموني 4/ 278.
(¬2) سبق تخريجه.
(¬3) سورة النحل، الآية: 62.
(¬4) هو عوف بن عطية واسمه عمرو بن عيسى بن وديعة، معجم الشعراء: 125.
(¬5) انظر المقتضب: 2/ 352، معاني القرآن للفراء: 2/ 9.

الصفحة 357