كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 3)

وزعم الخليل أن " جرم " أنما تكون جوابا لما قبلها من الكلام. يقول الرجل كان كذا وفعلوا كذا فتقول: لا جرم أنهم سيندمون أو أنه سيكون كذا وكذا. وتقول: أما جهد رأيي فأنّك ذاهب لأنك لم تضطر إلى أن تجعله ظرفا كما اضطررت في الأول وهذا من مواضع " أن " لأنك تقول: " أما في رأيي فأنك ذاهب ". أي: فأنت ذاهب وأن شئت قبلت " فأنّك " وهو ضعيف. لأنك إذا قلت: أما جهد رأيي فإنك عالم لم تضطر إلى أن تجعل الجهد ظرفا للقصة لأن ابتداء " إن " يحسن هاهنا.
فإذا قلت: جهد رأيي أنك عالم. لم يجز أن يكون الجهد إلا ظرفا. لأنك لو جعلته مفعولا كان من صلة " أنّ " ولا يجوز تقديمه ومع ذلك أنك لم تجئ بالمبتدأ.
فإذا قلت: أما جهد رأيي حسن ابتداء " أن " ونصبت جهد بالفعل لا بالظرف لأنك لم تضطر إلى الظرف وتقول: " أما في الدار فإنك قائم " لا يجوز فيه إلا " إنّ " لأن إنّ تجعل الكلام قصة وحديثا. ولم ترد أن تخبر أن في الدار حديثه ولكنك أردت أن تقول " أما في الدار فأنت قائم " فمن ثم لم يعمل في " أن " شيء وإذا أردت أن تقول أما في الدار فحديثك وخبرك قلت: أما في الدار فأنك منطلق. أي هذه القصة. ويقول الرجل: ما اليوم؟ فتقول: اليوم أنك مرتحل، كأنه قال: في اليوم رحيلك. وعلى هذا الحد تقول: أما اليوم فأنّك مرتحل.
وأما قولهم: أما بعد فأن الله عز وجل قال في كتابه. فأنه بمنزلة قولك: أما اليوم فإنّك. ولا يكون " بعد " أبدا مبنيا عليها. إذا لم تكن مضادة ولا مبنية على شئ.
إنما تكون لغوا.
وسألته عن: " شد ما أنك ذاهب " وعز ما أنك ذاهب. فقال: هذا بمنزلة: حقا أنك ذاهب كما تقول: أما أنك ذاهب بمنزلته حقا أنك ذاهب. كما كانت " لو " بمنزلة " لولا " ولا يبتدأ بعدها الأسماء سوى " أن " نحو: لو أنك ذاهب ولا
يبتدأ بعدها الاسماء. و " لو " بمنزلة " لولا " وأن لم يجز فيها ما يجوز فيما يشبهها. تقول: لو أنه ذاهب لفعلت. وقال عز وجل: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي (¬1) وأن شئت جعلت: شد ما وعز ما كأنك قلت: نعم العمل أنك تقول الحق. وسألته عن
¬__________
(¬1) سورة الإسراء، الآية: 100.

الصفحة 358