كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 3)

ومنه قولهم: أبددت القوم عطية أي فرقتها بينهم
قال أبو ذؤيب:
فأبدهن حتوفهنّ فطالع … بدمائه أو ساقط متجعجع (¬1)
فإذا قال: لابد منه. فكأنه قال: لا مفارقة ولا تباعد منه، وقد فسره أصحابنا بالسعة لأن تفرق ما بين الشيئين سعة ما بينهما، فكأنهم جعلوا أصله السعة وحقيقته عندي ما ذكرته.
قال أبو العباس محمد بن يزيد " بد " موسع فإذا قلت: لابد أنك ذاهب. غير موسع عليك أنك ذاهب، وحقيقته: غير موسع عليك تركك الذهاب وقولهم: أما حقا أنك ذاهب فيكسر " إن " فهو جيد وكذلك: أما جهد رأيى فأنك ذاهب وكذلك جميع الظروف المتقدمة التي بعدها: " أن " إذا دخلت قبلها " أما " فكسر " إن " حسن وإن لم تكن " أما " فالفتح لا غير. وإنما كسر مع دخول " أما " لأنها تسوغ تقديم ما بعد الفاء على " الفاء " و " أما " عوضا مما حذف منه. وجوز فيه تقديم ما لم يكن يجوز تقديمه قبل دخولها وقد ذكرت ذلك مستقصى قبل هذا الموضع.
ومعنى قول سيبويه " أما جهد رأيى فإنك ذاهب) لأنك لم تضطر إلى أن تجعله ظرفا كما اضطررت في الأول يعني: أنك مضطر قبل دخول " أما " أن تفتح " أن " إذا قلت:
جهد رأيى أنك ذاهب. فتجعل " أن " مبتدأ وما قبله ظرفا. كقولك (خلفك زيد) لأنك لو لم تفتح وكسرت انقطع الظرف من " أن " وخبرها فلم يتصل. لأن ما بعد " أن " لا يعمل فيما قبلها قبل دخول " أما " وقد ذكرناه فصرت مضطرا إلى فتحها. فإذا دخلت " أما " جاز فيها الكسر فلم تضطر إلى فتحها وجعلتها مبتدأ. وقولهم: " أما بعد " فإن الله عز وجل قال في كتابه " فأن بعد " بمنزلة " اليوم " ولا يكون " بعد " ولا " قبل " خبرين إذا لم يكونا مضافين. هذا كلام سيبويه ومذهبه ولم أر غيره ذكره ولا تكلم عليه إلا أصحابه الذين
¬__________
قد سمنتها بالسويف أمها … فبدت الرجل فما تضمها
انظر نوادر أبي زيد: 341.
(¬1) ديوان الهذليين: 1/ 9، شرح المفضليات: 870.

الصفحة 362