كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 3)

يتكلمون على تفسير كتابه وإذا كانا مضافين فإنهما يكونان خبرين كقولك: زيد قبلك وعمرو بعدك. وإذا لم يخبر بهما لنقصانهما عن حالهما مضافين. وهما في حال الإضافة غير متمكنين فإذا منعتا الأصالة ازدادتا بعدا عن التمكن، فمنعتا بذلك أن يكونا خبرين. وقد مثل سيبويه: (أما يوم الجمعة فأنك ذاهب) بتمثيل نفسه في اللفظ إذا حمل على ظاهره فقال: لأن فيها معنى يوم الجمعة مهما يكن من شيء " فأنك ذاهب " وتقديم " يوم الجمعة " لا يجوز في " مهما " ومعناه: أنه مثّل " أما " " بمهما " ثم قدم في " مهما " ما تقدمه في " أما " من الظرف الذي يصبح له خبر " أن " على وجه يبين المعنى فيه لا على تصحيح اللفظ، وأما لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ (¬1) فإن الخليل وسيبويه ومن تبعهما من البصريين يجعلون " جرم " فعلا ماضيا. ويجعلون " لا " داخله عليه فمنهم من يجعلها جوابا لما قبلها ومثله:
" يقول الرجل كذا وكذا، وفعلوا كذا وكذا فتقول: لا جرم أنهم سيندمون.
ويبين عند الخليل: أنه رد على أهل الكفر فيما قدروه من اندفاع مضرة الكفر وعقوبته عنهم يوم القيامة. واختلفوا في معنى " جرم " إذا كان فعلا.
قال سيبويه: معناه حق أن لهم النار. واستدل على ذلك بقول المفسرين معناه " حقا أن لهم النار " ويقول الشاعر:
جرمت فزازة بعدها أنّ يغضبوا
أي حقهم للغضب. وتبعه على ذلك من تبعه.
وقال غيره: " جرم " بمعنى " كسب " واستدل على ذلك بقول الله عز وجل: لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ (¬2) يقول عز وجل: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا (¬3) أي: لا يكسبكم ذلك. ويقول الشاعر: (¬4)
جريمة ناهض في رأس نيق … ترى لعظام ما جمعت صليبا
¬__________
(¬1) سورة النحل، الآية: 62.
(¬2) سورة هود، الآية: 89.
(¬3) سورة المائدة، الآية: 2.
(¬4) هو أبو خراش الهذلي واسمه خويلد بن مرة.
والبيت في ديوان الهذليين:/ 133، الاقتضاب: 317، شرح المفضليات 777. والبيت من الوافر.

الصفحة 363