كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 3)

هذا باب من أبواب «أن» التي تكون الفعل بمنزلة المصدر
تقول: أن تأتيني خير لك كأنك قلت: الإتيان خير لك ومثل قوله عز وجل:
وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ (¬1)، يعني: الصوم خير لكم قال عبد الرحمن بن حسان:-
أني رأيت المكارم حسبكم … أن تلبسوا حر الثياب وتضيعوا (¬2)
كأنه قال: رأيت حسبكم لبس الثياب.
واعلم أن " اللام " ونحوها من حروف الجر قد تحذف من " أن " كما حذفت من " إن " وجعلوها بمنزلة المصدر حين قلت: " فعلت ذاك حذر الشر " أي: لحذر الشر ويكون مجرورا على التفسير الآخر.
ومثل ذلك قولك: إنما انقطع إليك أن تكرمه أي لإكرامه ومثل ذلك قوله: لا تفعل كذا وكذا أن يصيبك أمر تكرهه كأنه قال: لأن يصيبك أو: من أجل أن يصيبك وقال عز وجل: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما (¬3)، وقال عز وجل: أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ (¬4).
كأنه قال: لإن كان ذا مال.
وقال الأعشى:
أأن رأت رجلا أعشى أضربه … ريب المنون ودهر مفسد خبل (¬5)
" فأنّ " هاهنا حالها في حذف حرف الجر كحال " أن " وتفسيرها كتفسيرها. وهي مع صلتها بمنزلة المصدر من ذلك قولك: أئتني بعد أن يقع الأمر. وأتاني بعد أن وقع الأمر كأنه قال: بعد وقوع الأمر. ومن ذلك قوله: " أما أن أسير إلى الشام فما أكرهه ".
" وأما أن أقيم فلي فيه أجر " كأنه قال: أما السيرورة فما أكرهها. وأما الإقامة فلي فيها
¬__________
(¬1) سورة البقرة، الآية: 184.
(¬2) البيت لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت.
الخزانة: 2/ 104، الهمع: 2/ 3، الأعلام: 4/ 74.
(¬3) سورة البقرة، الآية: 182.
(¬4) سورة القلم، الآية: 14.
(¬5) البيت بديوان الأعشى: 120، المقتضب: 1/ 292.

الصفحة 385