كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 3)

أغفر له. وأما " أنّ " فإنّها توصل بما يصير معها مصدرا وهو الفعل المحض. سواء كان أمرا أو خبرا لأن المعنى الذي يراد به يحصل فيه. ألا ترى أنك إذا قلت: " أمرت بأن قم " فمعناه: أمرت بالقيام.
وأعلم أن " أن " إذا كانت بمعنى " أي " للعبارة فهي محتاجة إلى ثلاثة شرائط.
أولها: أن يكون الفعل الذي تفسره أو تعبر عنه فيه معنى القول. وليس بقول. وقد مضى هذا.
والثاني: ألا يتصل به شيء من صلة الفعل الذي تفسره لأنه إذا اتصل به شيء منه صار في جملته ولم يكن تفسيرا له. كالذي قدره سيبويه: أوعزت إليه بأن أفعل.
والثالث: أن يكون ما قبلها كلام تام وما بعدها جملة تفسر جملة قبلها ومن أجل ذلك كان قوله عز وجل: وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (¬1)، وأخر قولهم: أن لا إله إلا الله بمعنى: " أنه ". ولم يصلح أن يكون بمعنى " أي ". لأن قوله وآخر دعواهم مبتدأ لا خبر معه. فهو غير تام فلا يكون بعده، " أن " بمعنى " أي) وقوله عز وجل: وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا (¬2) كأنه قال: ناديناه أنك قد صدقت الرؤيا. ومعناه بأنك قد صدقت يا إبراهيم.
وأجاز الخليل أيضا على " أن " " لأن " ناديناه كلام تام معناه: قلنا له يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ومثله: (أرسل إليه
أن ما أنت وذا) فهي على " أي " وعلى: " أنه " لأنه يحسن فيه الباب وقوله: وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها (¬3) تكون " أن " بمعنى:
المشددة ولا تكون بمعنى " أي " لأن قوله: (والخامسة) ليس كلام تام. وإذا كانت " أن " بمعنى المشددة ففيها إضمار اسم. وإذا لم يكن ذلك الاسم المضمر مما عرف وجرى ذكره فهو ضمير الأمر والشأن وهذا معنى قوله: " لا تخففها في الكلام أبدا وبعد الأسماء إلا وأنت تريد الثقيلة مضمرا فيها الاسم. وإن لم تضمر فيها نصب " بكأن " في قوله:
.. كأن وريديه رشاء خلب ..
¬__________
(¬1) سورة يونس، الآية: 10.
(¬2) سورة الصافات، الآيتان: 104، 105.
(¬3) سورة النور، الآية: 9.

الصفحة 402