كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 3)

وإنما اختاروا في " أن " الإضمار لأنها إذا كانت مفتوحة لم تقع أولا في موضع المبتدأ فتجعل ما يليها مبتدأ. وتجعل هي ملغاة (كإنّ) إذا كسرتها وخففت لأن المكسورة تدخل على المبتدأ وتؤكده. فإذا ألغيت ولم تعمل فما بعدها مبتدأ واقع موقعه من الكلام.
ومعنى قوله " لنصبوا كما ينصبون إذا اضطروا في الشعر " " بكأن " إذا خففوا يريدون: معنى (كأن) ولم يريدوا الإضمار فإن قال قائل: أي ضرورة إلى النصب تقع والوزن فيه وفي الرفع واحد؟ قيل له: إنما أراد إذا اضطروا إلى التخفيف ولم يريدوا إضمارا. وسبيل ذلك سبيل ما خفف من الفعل في اللفظ ولم يتغير عمله كقولك: " لم يك زيد قائما. ولم يبل زيد عمرا " بمعنى: لم يبال زيد عمرا وقد أجاز " كأن وريداه " ... على الإضمار والنصب " بكأنّ " إذا خففت.
وترك الإضمار أقوى من النصب " بأن " إذا خففت لما فيها من معنى التشبيه.
فأما النصب " بأن " إذا خفضت فهو قوله عز وجل على بعض القراءات: وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ (¬1). وأما " بأن " فقول الشاعر:
فلو أنك في يوم اللقاء سألتني … فراقك لم أبخل وأنت صديق (¬2)
الكاف في: " أنك " موضعها النصب، وقوله: (كأن ظبية تعطوا). قد حذف منها الاسم وهو ضمير امرأة بعينها قد
جرى ذكرها. وأوله:
ويوما توافينا بوجه مقسم … كأن ظبية تعطوا إلى وارق السلم
وقوله: ولو أنهم إذ حذفوه جعلوه بمنزلة " أنما " كما جعلوا " إن " بمنزلة " لكن " لكأن وجها قويا يعني: لو حذفوا " أن " وأبطلوا عملها في المضمر والمظهر " كأن " إذا خففت لكان وجها قويا وهذا كما قال. ويصير قوله: علمت أن زيد قائم كقولك:
علمت أنما زيد قائم. و " أنما " غير عاملة في شيء وزيد قائم مبتدأ وخبر وتصير " أن " بتخفيفها وإبطال عملها بمنزلة: " أنما " وقوله: أول ما أقول أن أحمد الله وأن باسم الله حمله سيبويه على المشددة وإضمار الأمر والشأن لأنه ليس قبله اسم يضمر كما
¬__________
(¬1) سورة هود، الآية: 111.
(¬2) لم نستدل على قائله، انظر الخزانة: 2/ 465، وابن يعيش: 8/ 73، والإنصاف: 127، وشرح شواهد ابن عقيل: 77.

الصفحة 403