كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 3)

في ظنك. على أنه ثابت الآن كما كان في العلم. ولولا ذاك لم يحسن " أنك " هاهنا ولا " أنه " فجرى الظن هاهنا مجرى اليقين لأنه نفيه. وإن شئت نصبت فجعلتهن بمنزلة " خشيت " و " خفت " فتقول ظننت أن لا تفعل. ونظير ذلك: تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (¬1)، إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ (¬2)، " فلا " إذا دخلت هاهنا لم تغير الكلام عن حاله وأنما منع " خشيت " أن تكون بمنزلة: " ظننت " و " خلت " و " علمت " إذا أردت الرفع. أنك لا تريد أن تخبر أنك تخشى شيئا قد ثبت عندك ولكنه كقولك:
" أرجو " و " أطمع " و " عسى " فأنت لا توجب إذا ذكرت شيئا من هذه الحروف.
ولذلك ضعف " أرجو أنك تفعل " و " أطمع أنك فاعل ". ولو قال رجل: " أخشى أن لا تفعل يريد أن يخبر أنه يخشى أمرا قد استقر عنده أنه كائن. جاز وليس وجه الكلام. واعلم أنه ضعيف في الكلام أن تقول: قد علمت أن تفعل ذاك، ولا قد علمت أن فعل ذاك حتى تقول: " ستفعل " " أو قد فعل " أو تنفي فتدخل " لا ". وذلك لأنهم جعلوا ذلك عوضا مما حذفوا من " أنه " فكرهوا أن يدعوا " السين " أو (قد). إذ قدروا على أن تكون عوضا ولا تنقض مما يريدون لو لم يدخلوا " قد " و " السين ".
وأما قولهم: أما أن جزاك الله خيرا فإنما أجازوه؛ لأنه دعاء. ولا يصلون إلى " قد " هاهنا ولا إلى " السين ". وكذلك لو قلت: (أما أن يغفر الله) جاز لأنه دعاء ولا تصل هنا إلى السين. ومع هذا أنه قد كثر في كلامهم حتى حذفوا فيه "
أنه " و " أنه " لا يحذف في غير هذا الموضع سمعناهم يقولون: (أما إن جزاك الله خيرا) شبهوه (بأن).
فلما جازت " إن " كانت هذه أجوز وتقول: " ما علمت إلا أن تقوم ولا أعلم إلا أن تقوم. وما أعلم إلا أن تأتيه إذا لم ترد أن تخبر أنك قد علمت شيئا البتة ولكن تكلمت على وجه الإشارة. كما تقول أرى من الرأي أن تقوم، فأنت لا تخبر بأن قياما قد ثبت كائنا أو يكون فيما تستقبل البتة فلو أراد غير هذا المعنى لقال: " ما علمت إلا
¬__________
(¬1) سورة القيامة، الآية: 25.
(¬2) سورة البقرة، الآية: 230.

الصفحة 405