كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 3)

ألا ترى أنك لو قلت: أيهما عندك؟ لم يستقم إلا على التكرير (والتوكيد) وبذلك على أن الآخر منقطع من الأول:
قول الرجل: إنها لإبل ثم يقول: (أم شاه يا قوم) فكما جاءت " أم " هاهنا بعد الخبر منقطعة فكذلك تجيء بعد الاستفهام.
وذلك أنه حين قال: أعمرو عندك؟ فقد ظن أنه عنده أدركه مثل ذلك الظن في " زيد " بعد أن استغنى كلامه.
ومثل ذلك: " أنها لإبل أم شاه " إنما أدركه الشك حين مضى كلامه على اليقين وبمنزلة " أم " هاهنا قوله عز وجل: الم * تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ (¬1).
فجاء هذا على كلام العرب (ليعرفوا ضلالتهم).
ومثل ذلك: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ ... (¬2).
كأن فرعون قال: أفلا تبصرون أم أنتم بصراء.
فقوله: " أم أنا خير " بمنزلة قوله: أم أنتم بصراء لأنهم لو قالوا: أنت خير منه كان بمنزلة قولهم: " نحن بصراء
عنده ".
ومثل ذلك قوله عز وجل: أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (¬3).
فقد علم النبي صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون أن الله عز وجل لم يتخذ ولدا. ولكنه جاء على حرف الاستفهام ليبصروا ضلالتهم.
ألا ترى أن الرجل يقول للرجل: " السعادة أحب إليك أم الشقاء " وقد علم أن السعادة أحب إليه وأن المسئول سيقول: السعادة. ولكنه أراد أن يبصر صاحبه ومن ذلك: أعندك زيد أم لا؟ كأنه حين قال: أعندك زيد؟ كان يظن أنه عنده ثم أدركه مثل ذلك الظن في أنه ليس عنده فقال: أم لا؟
¬__________
(¬1) سورة السجدة، الآيات: 1: 3.
(¬2) سورة الزخرف، الآيتان: 51، 52.
(¬3) سورة الزخرف، الآية: 16.

الصفحة 414