كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 3)

أحدهما: أن يكون " أو " فيه مثلها في " أو " التي للإباحة وتقديره: وأرسلناه إلى بشر كثير يحذرهم ممن يراهم- حازر: مائة ألف.
والوجه الآخر: أن يكون " أو " لأحد الأمرين وأبهمه الله تعالى على المخاطبين لأنه أراد تعريفهم كثرتهم. ولم تكن فائدة في تعريف حقيقة عددهم.
ويروى عن ابن عباس أنهم كانوا مائة ألف وبضعة وأربعين ألفا. وأما قوله عز وجل: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً (¬1) القسوة في الحجارة الصلابة. وصلابة كيفية على حقيقة الكيفيتين. وإنما قسوة القلب أنه لا يرق ولا يلين لموعظة ولا لطاعة الأمر، فيشبه امتناعه بالصلابة التي هي ضد اللين.
ويشبه بصلابة الحجر أو بما هو أصلب منه على ما ذكرنا من مذهبهم. والذي يشبهه بصلابة الحجر مصيب والذي يشبهه بما هو أصلب مصيب؛ لأن الغرض الإخبار عن قلوبهم بصلابة يبالغ فيها. فتشبيههم إياها بالحجارة. لأنها من الموصوفات بالصلابة صحيح، وتشبيههم إياها بما هو أصلب منه صحيح.
وأما قوله عز وجل: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (¬2) فمعناه في تقدير الناظر منكم إليه.
وقد قال قوم أن " أو " تكون بمعنى " بل ". واحتجوا بقوله عز وجل: وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ. أراد: بل يزيدون. ويقول الشاعر.
بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى … وصورتها أو أنت في العير أملح (¬3)
قالوا معناه: بل أنت.
واحتجوا بالرواية عن ابن عباس في قوله عز وجل: وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ. قال: كانوا مائة ألف وبضعة وأربعين ألفا.
وحصلوا على " أو " " أم " فقالوا: أضربت عبد الله أم أنت رجل متعنت؟ بمعنى بل أنت. قال الشاعر:
فو الله ما أدري أسلمى تغوّلت … أم النّوم أم كل إليّ حبيب (¬4)
¬__________
(¬1) سورة البقرة، الآية: 74.
(¬2) سورة النجم، الآية: 9.
(¬3) انظر الخزانة: 4/ 423، أمالي المرتضى: 3/ 56.
(¬4) انظر الهمع: 2/ 133، الدرر: 2/ 177، معاني القرآن للفراء: 1/ 72.

الصفحة 431