كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 3)

لأنك إذا قلت: " قام زيد وعمرو فزيد وعمرو " متساويان في وقوع القيام منهما ومتساويان في إبهام زمان قيامهما. ليس أحدهما أولى من الآخر بزمان القيام.
وإذا قلت: " قام زيد فعمرو " أو " ثم عمرو " فكل واحد من الاسمين قد حصل على قيامه في زمان غير زمان قيام الآخر.
وناب الاستفهام بعد سواء عن الاسمين اللذين يقتضيهما " سواء " لأن في الاستفهام معادلة وتسوية بين شيئين.
وأما " أو " قد خلت في الفعلين لما فيها من معنى المجازاة. فإذا قلت: سواء على قمت أو قعدت فتقديره: إن قمت أو قعدت فهما على سواء.
ويصير معنى " أو " إلى معنى الجزاء في قولك: " اضربه مات أو عاش " كأنه قال:
اضربه إن مات من ضربك أو عاش (وناب ذلك عن الاسمين بعد سواء).
وجاء في المصدرين " الواو " و " أو " أما " الواو " فلأن المصدرين اسمان فإذا قلت سواء على قيامك وقعودك فهو كقولك: سواء على عبدك وأمتك. وأما " أو " فلأن المصدرين مأخوذان من فعلين. وقد كان يعطف أحدهما على الآخر " بأو " وذلك قولك: سواء على قيامك أو قعودك. لأنه مصدر قولك سواء على قمت أو قعدت.
واعلم أن الاسمين إذا كانت بينهما " أو " فلا معادلة بينهما ولا تسوية وأنهما كاسم واحد يجوز أن تعادل بينه مبهما وبين آخر. كقولك: أزيدا أو عمرا رأيت أم بشرا؟ فزيد وعمرو جميعا لدخول " أو " بينهما بمنزلة اسم واحد عودل بينه وبين بشر. فكأنه قال:
أأحد هذين الرجلين رأيت أم بشرا؟
ومثله قول صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلّى الله عليه وسلّم:
كيف رأيت زبرا؟ … أأقطا أو تمرا؟
أم قرشيّا صارما هزبرا؟
زبرا: مكبر الزبر. والزبير تصغير: زبر والزبير بن العوام رضي الله عنه ابنها وقد رأته صارع آخر فصرعه الزبير فقالت للمصروع كيف رأيت زبرا أي الزبير. أأقطا وتمرا أي: رأيته طعاما تأكله ويلين لضربتك أم خشنا على قرنه كالسيف والأسد.
وقوله: " أأقطا أو تمرا " لدخول " أو " بينهما بمنزلة: أطعاما ووقعت المعادلة بينه وبين قرشيا.

الصفحة 436