كتاب قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان (اسم الجزء: 3)

وقيل لي عنه: إنذَه يبيع لمنتحلي صناعة الشعر قصائد من نظمه ليمحوا بها الناس بأحقر ثمن، يبعثه على ذلك قلّة ذات يده، والحاجة والإملاق، فالله تعالي يغنينا بفضله عمن سواه، إنَّه جواد كريم.
فارقته بدمشق وهو حي يرزق في سنة اربعين وستمائة، وذُكر لي انه لحق باللطيف الخبير.
أنشدني من شعره في التاريخ المذكور: [من البسيط]
تصرُّف الدَّهر في هذا الورى عجب ... تصرُّفٌ فيه من خلف به ريب
وحكمه في بنيه من تناقضه ... أن التناقض منه يعجب العجب
يعطي ويسلب ما يعطي مفاجأةً ... ويستردُّ علي الفور الَّذي يهب
/23 ب/ وقد تدَّبرت ما قد قاله مثلاً ... ذو خبرة قول صدق ما به كذب
فقال حيث أجاد القول منتخباً ... معانياً مثلها في الشِّعر ينتخب
[ما النَّاس إلَّا مع الدُّنيا وصاحبها ... فكيفما انقلبت يوماً به انقلبوا]
يعظمون أخا الدنيا فإن وثبت ... يوماً عليه بما لا يشتهي وثبوا]
إن يسمعوا الخير اخفوه وإن سمعوا ... شراً أذاعوا وإن لم يسمعوا كذبوا
واحزم النَّاس من يخشي غوائلهم ... ومن يظنُّ بهم شرّاً فيجتنب
ولا تصاحب منهم صاحباً أبداً ... إلّا وتحذره طبعاً وتجتنب
والصَّاحب الوغد يعدي من يصاحبه ... كأنَّما هو في إعدائه الجرب
والعاقل الفطن النَّدب اللبَّيب ومن ... في كلَّ حالاته مستيقظٌ درب
لا تركننَّ إلى الدُّنيا فراحتها ... للرَّاكنين إليها كلُّها تعب
لأنها دار آفات سلامتها ... لمن تسالمه من أهلها عطب
ما إن بخيرٍ إلى من ينتهي انقلبت ... إلَّا بشرٍّ إليه بعد تنقلب
تالله لولا عياٌل كلُّهم حرمٌ ... كدِّي عليهنَّ شرعاً بعض ما يجب
طلَّقتها قبل ما فيها يطلِّقني ... هذي الحياة الَّتي بالموت تغتصب
بئس الحياة يعود المرء مستلباً ... منها وما حاز فيها للعدا سلب
/34 أ/ هذا سجيُّه هذا الدَّهر قد ذهبت ... في أهله وعليها أهله ذهبوا

الصفحة 50