كتاب فيض الباري على صحيح البخاري (اسم الجزء: 3)

سَمِعَ ابْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُمْ غَنَمٌ تَرْعَى بِسَلْعٍ، فَأَبْصَرَتْ جَارِيَةٌ لَنَا بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِنَا مَوْتًا، فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ لاَ تَأْكُلُوا حَتَّى أَسْأَلَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ أُرْسِلَ إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ يَسْأَلُهُ. وَأَنَّهُ سَأَلَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذَاكَ، أَوْ أَرْسَلَ، فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهَا. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَيُعْجِبُنِى أَنَّهَا أَمَةٌ، وَأَنَّهَا ذَبَحَتْ. تَابَعَهُ عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ. أطرافه 5501، 5502، 5504 - تحفة 11134

يعني إذا رأى الراعي شاةً تموت، ولم يكن المالك حَاضِرًا، ولا وَجَدَ فرصةً للإِجازة منه، هل له أن يَذْبَحَ؟ وفي «جامع الفصولين»، وهو من معتبرات فقهنا: إن ذَبَحَ الشاة يَضْمَنُ، وفي قولٍ: لا يَضْمَنُ. قلتُ: بل يُقْسِمُ على الحالات، فإن تحقَّق أنه ذَبَحَها بعذرٍ صحيحٍ لم يَضْمَن، وإن ثَبَتَ أنه جعله حِيلَةً، وأراد اللحمَ فقط ضَمِنَ.
مسألة: في «البحر»: أن رجلا لو رَأَى أحدًا يَزْنِي بامرأته يَقْتُلُهُ، فإن بَلَغَ الأمرُ إلى القاضي، ولم يُثْبِتْ زِنَاه بالشهادة يَقْتَصُّ منه. ورأيتُ في «كنز العمال» حديثًا: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: «كَفَى بالسيف شا ... »، قال الراوي: واكتفى النبيُّ صلى الله عليه وسلّم بالشا، ولم يتلفظ بتمام اللفظ - أي شاهدًا - وقال: لو قلت: شاهدًا لتظالم السكران، والغيران، فهذا أَمْرٌ يَعْرِضُ للأنبياء عليهم السلام، فإنه أَبَاحَ له قتلَ رجلٍ يَرَاه على امرأته، ثم لم يُفْصِحْ به، لئلا يَتَجَاوَزَ فيه الناس عن الحدِّ.
2304 - قوله: (قال عُبَيْدُ الله: فَيُعْجِبُني أَنَّها أَمَةٌ، وأنها ذَبَحَتْ)، والراوي يتعجَّبُ منه، وفي (¬1) الفِقْهِ: أنه لا بأسَ بِذَبِيحَةِ المرأة.

5 - بابٌ وَكَالَةُ الشَّاهِدِ وَالْغَائِبِ جَائِزَةٌ
وَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو إِلَى قَهْرَمَانِهِ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْ أَهْلِهِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ.

2305 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - سِنٌّ مِنَ الإِبِلِ فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ فَقَالَ «أَعْطُوهُ». فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلاَّ سِنًّا فَوْقَهَا. فَقَالَ «أَعْطُوهُ». فَقَالَ أَوْفَيْتَنِى أَوْفَى اللَّهُ بِكَ. قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً». أطرافه 2306، 2390، 2392، 2393، 2401، 2606، 2609 - تحفة 14963
¬__________
(¬1) قال العينيُّ: وفيه دليلٌ على إجازة ذبيحة المرأة بغير ضرورة إذا أحْسَنَتِ الذبحَ، وكذا الصبيّ إذا أطَاقهُ، قاله ابن عبد البَرّ، وهو قول أبي حنيفة، ومالك، والشافعيِّ، والثوريِّ، والليث، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثَوْر، والحسن بن حيِّ، ورُوِيَ عن ابن عبَّاس، وجابر، وعَطَاء، وطاوس، ومُجَاهد، والنَّخَعِيِّ. وفيه ما استدلَّ به فقهاء الأمصار -أبو حنيفة، ومالك، والشافعيُّ، والأوزاعيُّ، والثوريُّ- على جواز ما ذُبِحَ بغير إذن مَالِكِهِ. وفيه جوازُ أكل المذبوح الذي أشرَفَ على الموت إذا كانت فيه حياةٌ مستقرةٌ، وإلَّا فلا يَجُوزُ وفيه جواز الذبح بكل جَارح إلَّا السِّنِّ والظُّفُرِ، فإنهما مُسْتَثْنَيَانِ. اهـ. مختصرًا.

الصفحة 533