كتاب فيض الباري على صحيح البخاري (اسم الجزء: 3)

أنه قائلِ بإِسلام مَن صَدَّق النبيَّ والقرآنَ وإن بقي على اليهودية. ولم أجِدْه أيضًا في تصانيف ابن تيميةُ رحمه الله تعالى، ولعلَّه أيضًا افتراءٌ عليه.
قوله: (وكانَ ابنُ عباسٍ رضي الله عنه مع أُمِّهِ مِنَ المُسْتَضْعَفِينَ) لأَنَّ أُمِّه أسلمت مِن قبل، حتى قيل: إنها أسلمت بعدَ خديجةَ رضي الله عنها، ولم يكنِ العباسُ أظهرَ إسلامَه بَعْدُ. فكان ابنُ عباس رضي الله عنهما مع أُمِّه وكانت خيرَ الأَبوينِ دِينًا.
قوله: (الإِسلامُ يَعْلُو ولا يُعْلَى) هذا باعتبار التشريع ظاهرٌ، وأما باعتبارِ التكوين ففيه تفصيلٌ.

1354 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ انْطَلَقَ مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِى رَهْطٍ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ، حَتَّى وَجَدُوهُ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِى مَغَالَةَ، وَقَدْ قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ الْحُلُمَ فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لاِبْنِ صَيَّادٍ «تَشْهَدُ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ». فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ. فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - أَتَشْهَدُ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ فَرَفَضَهُ وَقَالَ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ. فَقَالَ لَهُ «مَاذَا تَرَى». قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ يَأْتِينِى صَادِقٌ وَكَاذِبٌ. فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «خُلِّطَ عَلَيْكَ الأَمْرُ» ثُمَّ قَالَ لَهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «إِنِّى قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا». فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ هُوَ الدُّخُّ. فَقَالَ «اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ». فَقَالَ عُمَرُ - رضى الله عنه - دَعْنِى يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ. فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «إِنْ يَكُنْهُ فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَلاَ خَيْرَ لَكَ فِى قَتْلِهِ». أطرافه 3055، 6173، 6618 تحفة 6990
1354 - قوله: (أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسولُ اللَّهِ) وغ» رَضُ المصنِّف رحمه الله تعالى أن ابنَ صَيَّاد لو شَهِدَ برسالَتِه، لحَكَم عليه بالإِيمان، مع كونه صبيًّا إذ ذاك.
قوله: (فقال عُمرُو رضي اللَّهُ عنه دَعْنى يا رسولَ اللَّهِ أَضرِبْ عُنْقَه ... ) إلخ. وإنَّما لم يذره النبيُّ صلى الله عليه وسلّم فيقتله، لأنه كان حينئذٍ صبيًّا كما في الحديث. والوَجْه الثاني ما بيَّنه بنفْسِه الشريفة: وهو أنَّه: «إنْ يكن هو فلن تُسلَّط عليه «. وفيه سرٌ عظيم ينبغي الاطلاع عليه:
فاعلم أنَّ التكوينَ قد يناقِضُ التشريعَ، لأن التكوِينَ ليس تحتَ التكليفِ. فلو انكشفَ التكوينُ على أَحَدٍ لا يتغيَّرُ به التشريعُ أصلا، فلو كُشِف لأَحَدٍ أنَّ فلانًا يُخْتم له على الكفر - والعياذ باللَّهِ لا يجوزُ له أن يُعامل معه معاملةَ الكفار في الحالة الراهنة. وهو الذي عَرَض لعليَ رضي اللَّهُ عنه حين سأله ابنُ الكواء: أنه يُفتح له أو لا؟ قال: لا. قال: فَلِمَ تُحارِب إذَن؟ قال: إِني مأمورٌ. يعني به أنَّ التكوينَ وإن كان جرى بالهزيمة أَلا أَنَّ التشريعَ على مكانه لا يتغيرُ به، كما لو لم يُكْشَف عليه.
فلا ينبغي لأَحَدٍ أن يعملَ بالتكوينِ إِلا للنبيُّ خاصَّةً، فإِنَّه قد يأخذُ جِهةَ التكوينِ أيضًا كما أخذ في قَتْل الدجَّال. وهو الذي راعاه في قِصَّة رَجُلٍ اعترضَ على تقسيمِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم فقال:

الصفحة 63