كتاب منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول (ص) (اسم الجزء: 3)

.........
علمه به، وما أدركه ببصر قلبه كان أقوى عنده.
والحديث أخرجه الإمام أحمد ابن حنبل، وأحمد بن منيع، والطّبراني، والعسكري؛ من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بزيادة:
«إنّ الله تعالى أخبر موسى بما صنع قومه في العجل، فلم يلق الألواح، فلمّا عاين ما صنعوا ألقى الألواح فانكسرت» .
ورواه أحمد، وابن طاهر، والبغويّ، والدّارقطني، والطّبراني في «الأوسط» ، وابن حبّان، والعسكري أيضا؛ عن ابن عباس مختصرا بدون الزّيادة، وصحّح الحديث ابن حبّان، والحاكم، والضّياء.
قال العسكري: أراد صلى الله عليه وسلّم أنّه لا يهجم على قلب المخبر من الهلع بالأمر والاستفظاع له مثل ما يهجم على قلب المعاين، قال: وطعن بعض الملحدين في حديث موسى فقال: لم يصدّق بما أخبره به ربّه. وردّ بأنّه ليس في هذا ما يدلّ على أنّه لم يصدق، أو شكّ فيما أخبره به، ولكن للعيان روعة هي أنكى للقلب وأبعث لهلعه من المسموع. قال: ومن هذا قول إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [260/ البقرة] . لأنّ للمشاهدة والمعاينة حالا ليست لغيره.
ولله درّ من قال:
ولكن للعيان لطيف معنى ... له سأل المعاينة الخليل
وقال غيره: كان خبر الله ثابتا عند موسى، وخبره كلامه، وكلامه صفته، فعرف فتنة قومه بصفة الله، لكن صفة البشريّة لا تظهر عند صفة الله لعجز البشريّة وضعفها؛ فتمسّك موسى بما في يده ولم يلقه، فلمّا عاين قومه عاكفين على العجل عابدين له؛ عاتبهم بصفة نفسه الّتي هي نظره ببصره، ورؤيته بعينه، فلم يتمالك أن طرح الألواح من شدّة الغضب وفرط الضّجر؛ حميّة للدّين.
روي أنّها كانت سبعة، فانكسرت ستّة كان فيها تفصيل كلّ شيء، وبقي السّابع فيه المواعظ والأحكام. انتهى من «الزرقاني والمناوي وكشف الخفاء» رحمهم الله تعالى.

الصفحة 485