كتاب المآخذ على شراح ديوان أبي الطيب المتنبي (اسم الجزء: 3)

وقوله: المتقارب
فذَاكَ الذي عَبَّهُ مَاؤهُ ... وذاك الذي ذَاقَهُ طَعْمُهُ
قال: يقول: هذا الهالك، إنما شرب ماء نفسه. والذي ذاق، إنما هو طعمه؛ لأنه كان يذيق عداته الموت. يقول: كأن الزمان أتى من موت فاتك بما فيه نقض للعادة، لأن الماء مشروب لا شارب، والطعم مذوق لا ذائق.
وأقول: إنه توهم إن الهاء في عبّه وذاقه ضمير فاعل، وليس كذلك، إنما هو
ضمير المفعول والفاعل مستتر؛ كأنه قال: وذلك الشيء الذي شربه فاتك ماؤه، وذاك الشيء الذي ذاقه فاتك طعمه. وهذا البيت مرتب على البيت الذي قبله وهو: المتقارب
وإنَّ مَنِيَّتَهُ عنَدهُ ... لكَالخَمْرِ سُقِّيَهُ كَرْمُهُ
وإذا كان كذلك، فهو الشارب لما سقي، والذائق لما أطعم. فالماء مشروب لا شارب، والطعم مذوق لا ذائق. والعادة جارية على ما هي عليه لم تنتقض.

الصفحة 161