كتاب الفصول في الأصول (اسم الجزء: 3)

أُغْلِيَ عَلَى النَّارِ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا ابْنَ أَخِي، إذَا جَاءَكَ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا تَضْرِبْ لَهُ الْأَمْثَالَ ".
وَقَالَ عِيسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فَإِنْ قِيلَ: إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ عِنْدَهُ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خِلَافُ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قِيلَ لَهُ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَسَأَلَهُ عَنْ التَّارِيخِ لِيَعْلَمَ النَّاسِخَ، وَلَمَّا لَجَأَ فِي رَدِّهِ إلَى الْقِيَاسِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ «النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ أَكَلَ لَحْمًا وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» إلَّا أَنَّ احْتِجَاجَ عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِرَدِّ ابْنِ عَبَّاسٍ خَبَرَهُ بِالْقِيَاسِ الصَّحِيحِ، لِأَنَّ خَبَرَهُ عِنْدَهُ لَوْ كَانَ مَقْبُولًا مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلْقِيَاسِ - لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ اللَّحْمُ مُبَيَّنًا مِنْ جُمْلَةِ مَا مَسَّتْ النَّارُ: فِي أَنْ لَا وُضُوءَ فِيهِ، وَيَكُونُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَهُ فِيمَا عَدَا اللَّحْمَ، فَلِمَا رَدَّ جُمْلَةَ الْحَدِيثِ لِمُخَالَفَتِهِ لِقِيَاسِ مَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ مِنْ نَفْيِ الْوُضُوءِ مِنْ اللَّحْمِ وَمِنْ الْحَمِيمِ، ثَبَتَ: أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَصْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَدُّ خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالْقِيَاسِ.
" وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَمْشِي فِي الْخُفِّ الْوَاحِدِ وَتَقُولُ: لَأُحَدِّثَن أَبَا هُرَيْرَةَ ". وَقَالَتْ لِابْنِ أَخِيهَا: " لَا تَعْجَبْ مِنْ هَذَا وَكَثْرَةِ حَدِيثِهِ. إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ أَحْصَاهُ ".

الصفحة 128