كتاب الفصول في الأصول (اسم الجزء: 3)

[بَابٌ آخَرُ فِي النَّسْخِ]
ِ رُوِيَ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِالْحَلِفِ وَبِالْهِجْرَةِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ. وَأَنَّ الرَّحِمَ (بَعْدَ) قَوْله تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33] وَقَالَ تَعَالَى {والَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: 73] وَقَالَ تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72] .
فَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ} [الأحزاب: 6] . وَمِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يَرَى ذَلِكَ نَسْخًا، وَيَقُولُ: إنَّمَا حَدَثَ وَارِثٌ أَوْلَى مِنْ وَارِثٍ قَالَ: فَأَمَّا الْمِيرَاثُ بِالْحَلِفِ وَالْمُعَاقَدَةِ فَقَائِمٌ لَمْ يُنْسَخْ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرَابَةٌ اسْتَحَقَّ (الْحَلِيفُ) الْمِيرَاثَ، إذَا كَانَ عَاقَدَهُ وَوَالَاهُ عَلَى (أَنَّهُ) يَرِثُهُ إذَا مَاتَ.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: (يَا مَعْشَرَ هَمْدَانَ مَا أَحَدٌ مِنْ الْعَرَبِ بِأَوْلَى مِنْ أَنْ يَمُوتَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ وَلَا يَتْرُكُ وَارِثًا مِنْكُمْ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَلْيَضَعْ أَحَدُكُمْ مَالَهُ حَيْثُ شَاءَ) .

الصفحة 13