كتاب الفصول في الأصول (اسم الجزء: 3)

أَسْبَابِهِمْ وَدَوَاعِيهِمْ. وَكَيْفَ نَحْكُمُ بِصِحَّةِ الْأَخْبَارِ مَعَ وُجُودِ مَنْ وَصَفْنَا بِخَبَرٍ لَا أَصْلَ لَهُ، وَلَا شَكَّ فِي كَذِبِهِ، وَهُمْ بِالصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْتُمُوهَا مِنْ اخْتِلَافِ الْهِمَمِ وَالْأَسْبَابِ وَامْتِنَاعِ التَّوَاطُؤِ عَلَيْهِ.
قِيلَ لَهُ: شَرْطُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ: أَنْ يَنْقُلَهُ قَوْمٌ وَصْفُهُمْ مَا ذَكَرْنَا، وَيُخْبِرُوا عَنْ مُشَاهَدَةِ مَنْ عَرَفُوهُ اضْطِرَارًا.
وَالنَّصَارَى وَالْيَهُودِ لَمْ يَكْذِبُوا عَلَى أَسْلَافِهِمْ فِيمَا نَقَلُوا، وَلَكِنَّ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ هَذَا الْخَبَرِ لَيْسَ كَآخِرِهِ، أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَقَعَ لَنَا الْعِلْمُ بِصِحَّةِ مَا أَخْبَرُوا بِهِ، إذْ نَحْنُ وَهُمْ مُتَسَاوُونَ فِي سَمَاعِهِ، كَمَا أَنَّ عُلُومَ الْمَحْسُوسَاتِ وَالْمُشَاهَدَاتِ أَنْ لَا تَخْتَلِفَ مُشَاهِدُوهَا مَعَ ارْتِفَاعِ الْمَوَانِعِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فِيمَا يَقَعُ لَهُمْ الْعِلْمُ بِهَا، فَلَمَّا لَمْ يَقَعْ لَنَا الْعِلْمُ بِمُخْبِرِ أَخْبَارِهَا، وَلَا مَعَ سَمَاعِنَا لَهَا، عَلِمْنَا أَنَّ أَوَّلَ خَبَرِهِمْ كَانَ عَمَّنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْغَلَطُ وَالتَّوَاطُؤُ، فَقَلَّدُوهُمْ فِيهِ وَنَقَلُوا عَنْهُمْ: أَنَّ الْعِلْمَ بِكَوْنِ الْمَسِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الدُّنْيَا، كَعِلْمِنَا بِالْأُمُورِ الْمُشَاهَدَةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ وُقُوعُ الشَّكِّ فِيهَا، مِنْ حَيْثُ كَانَ أَوَّلُ خَبَرِهِمْ كَآخِرِهِ فِي امْتِنَاعِ وُقُوعِ التَّوَاطُؤِ مِنْهُمْ، وَاخْتِرَاعِ خَبَرٍ لَا أَصْلَ لَهُ، فَهَذَا الَّذِي وَصَفْنَا يُسْقِطُ هَذَا السُّؤَالَ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ النَّصَارَى إنَّمَا نَقَلُوا ذَلِكَ عَنْ أَرْبَعَةٍ يَجُوزُ عَلَيْهِمْ الْغَلَطُ، وَالْخَطَأُ، وَالتَّوَاطُؤُ فِي النَّقْلِ، وَأَمَّا الْيَهُودُ: فَلَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَهُ بِعَيْنِهِ قَبْلَ قَصْدِهِمْ إيَّاهُ لِقَتْلِهِ، وَإِنَّمَا دَلَّهُمْ عَلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: يَهُوذَا، كَانَ مِمَّنْ يَصْحَبُ الْمَسِيحَ. وَاجْتَعَلَ مِنْهُمْ عَلَى دَلَالَتِهِ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا، وَقَالَ لَهُمْ: الَّذِي تَرَوْنِي أُقَبِّلُهُ هُوَ صَاحِبُكُمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِرَجُلٍ هُنَاكَ أَخَذُوهُ، وَقَتَلُوهُ، عَلَى أَنَّهُ الْمَسِيحُ، وَلَمْ يَكُنْ هُوَ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى قَتْلَ رَجُلٍ (إلَّا مَنْ يَجُوزُ) عَلَيْهِ التَّوَاطُؤُ فِي الْأَخْبَارِ،

الصفحة 42