كتاب الفصول في الأصول (اسم الجزء: 3)

فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلُونَ: إذَا أَخْبَرَ جَمَاعَةٌ عَدَدُهُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةٍ فَوَقَعَ الْعِلْمُ بِصِحَّةِ خَبَرِهِمْ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ وَاقِعًا بِخَبَرِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ هُمْ صَادِقُونَ فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ، قَدْ عَلِمُوهُ اضْطِرَارًا، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أُوقِعَ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ فَكَذَبُوا فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ بِأَنْ لَمْ يَكُونُوا شَاهَدُوا ذَلِكَ الشَّيْءَ الَّذِي أَخْبَرُوا عَنْهُ.
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: لَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ وَاقِعًا عِنْدَ خَبَرِ الْخَمْسَةِ وَمَنْ فَوْقَهُمْ، بِخَبَرِ أَرْبَعَةٍ مِنْهُمْ فَمَنْ دُونَهُمْ، وَأَنْ يَكُونَ الصَّادِقُ فِي خَبَرِهِ وَاحِدًا مِنْهُمْ، وَالْبَاقُونَ أَخْبَرُوا عَنْ غَيْرِ يَقِينٍ، وَلَا مُشَاهَدَةٍ، وَمَعَ ذَلِكَ فَغَيْرُ جَائِزٍ وُقُوعُ الْعِلْمِ بِقَوْلِ ذَلِكَ الْوَاحِدِ لَوْ انْفَرَدَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَجْرَى الْعَادَةَ بِأَنْ يُجْعَلَ الْعِلْمُ فِي قُلُوبِنَا عِنْدَ إخْبَارِ الْجَمَاعَةِ الَّتِي وَصَفْنَا أَمْرَهَا، وَلَيْسَ الْمُخْبِرُ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْعِلْمِ بِخَبَرِهِ، فَيُعْتَبَرُ كَوْنُ الْجَمَاعَةِ صَادِقِينَ فِي خَبَرِهِمْ.
قَالُوا: وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَمْتَنِعْ وُقُوعُ الْعِلْمِ بِمُخْبِرِ بَعْضِ الْجَمَاعَةِ الْمُخْبِرِينَ، وَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً وَأَقَلَّ مِنْهُمْ، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمُخْبِرُونَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ.

الصفحة 52