كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 3)

وفي الجمع بين هذا وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان حالفًا فليحلف بالله" (¬1)، وقوله: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" (¬2) أوجه:
أصحها: أن هذا ليس حلفًا إنما هي كلمة جرت عادة العرب أن تدخلها في كلامها غير قاصدة بها حقيقة الحلف، والنهي إنما ورد فيمن قصد حقيقة الحلف لما فيه من إعظام المخلوف به ومضاهاته به الله تعالى.
ثانيها: أنه يحتمل أن يكون هذا قبل النهي عن الحلف بغير الله تعالى. وهو بعيد؛ لأنه (ادعاءٌ للنسخ) (¬3) ولا يصار إليه إلا إذا تعذر التأويل وعلمنا التاريخ كما تقرر في فن الأصول وليس هنا واحدًا منهما.
ثالثها: أنه على حذف مضاف أي: ورب أبيه، فأضمر ذَلِكَ فيه. قَالَ البيهقي في "سننه": وغيره لا يُضمِر، بل يذهب فيه (¬4). وسمعت بعض مشيختنا يجيب بجوابين آخرين:
أحدهما: أنه يحتمل أن يكون الحديث: أفلح والله. فقصر الكاتب اللامين فصارت: وأبيه.
ثانيهما: خصوصية ذَلِكَ بالشارع دون غيره، وهذِه دعوى لا برهان عليها، وأغرب القرافي حيث قَالَ: هذِه اللفظة وهي: "وأبيه" اختلف في
¬__________
(¬1) سيأتي برقم (2679) كتاب: الشهادات، باب: كيف يستحلف؟.
(¬2) رواه مسلم (1646/ 4) كتاب: الإيمان، باب: النهي عن الحلف بغير الله تعالى، والترمذي (1533)، والنسائي 7/ 4، وابن ماجه (2094)، وأحمد 2/ 7.
(¬3) في (ج): ادعى النسخ.
(¬4) كذا في (ف)، (ج)، والكلام ناقص، ونصه كما في "السنن الكبرى" 10/ 29: وغيره لا يُضْمر بل يذهب فيه مذهب التعظيم لأبيه.

الصفحة 142