غلامه مثله. فقال القوم: يا أبا ذر لو كنت أخذت الذي عَلَى غلامك فجعلته مع هذا فكانت حلة وكسوت غلامك ثوبًا آخر. فقال أبو ذر: إني ساببت رجلًا. وذكر الحديث وفي آخره: "إنهم إخوانكم، فضلَّكُم الله عليهم، فمَنْ لم يلائمكم فبيعوه، ولا تُعذبوا خَلْقَ الله" (¬1).
الرابع: قوله: (فسألته عن ذَلِكَ). إنما سأله لأن عادة العرب وغيرهم أن تكون ثياب المملوك دون سيده.
الخامس: قوله - صلى الله عليه وسلم -: ("إنَّك امرؤٌ فيك جاهِليَّة"). معناه: إنك في التعيير بأُمِّهِ عَلَى خُلُقٍ من أخلاق الجاهلية، ولمستَ جاهليًّا محضًا، وينبغي للمسلم أن لا يكون فيه شيء من أخلاقهم.
قيل: إنه عير الرجل بسواد أمه كما سيأتي، كأنه قَالَ: يا ابن السوداء ونحوه. وقد ذكره البخاري في كتاب: الأدب، فقال فيه: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلَامٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً، فَنِلْتُ مِنْهَا، فَذَكَرَنِي للنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ لِي: "أَسَابَبْتَ فُلَانًا؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "أفَنِلْتَ مِنْ أُمِّهِ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ". قُلْتُ: عَلَى سَاعَتِي هذِه مِنْ كِبَرِ السِّنِّ! قَالَ: "نَعَمْ، هُمْ إِخْوَانُكُمْ" .. الحديث وفي آخره: "فليُعنه عليه" (¬2).
وجاء في مسلم في أول هذا الحديث: إنه كان بيني وبين رجل من إخواني كلام، وفيه: فقال لَهُ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّك امرؤٌ فيك جاهلية". فقلت: يا رسول الله من سبَّ الرجال سبوا أباه وأمه. فقال: "يا أبا ذر إنك امرؤٌ فيك جاهلية" (¬3).
¬__________
(¬1) أبو داود (5157). وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2282).
(¬2) سيأتي برقم (6050) في الأدب، باب ما ينهى من السباب واللعن.
(¬3) مسلم (1661) كتاب الإيمان، باب: إطعام المملوك مما يأكل وإلباسه مما يلبس، ولا يكلفه ما يغلبه.