كتاب الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع (اسم الجزء: 3)

وكذا يقبل من أقدم على الفسق جاهلًا (١) بأنه فسق، كمن شرب النبيذ، أو الخمر في الأصح، إذ لا يدل ذلك على عدم اكتراثه بالدين لجهله بالحال.
وقيل: في المقطوع بحرمته لا يقبل. والصواب: خلافه لاشتراك علة القبول، وهو الجهل.
---------------
(١) يرى الزركشي أن قول المصنف جاهلًا، غير مطابق لوضع المسألة لأن الافتراض فيها، فيمن يقدم عليه معتقدًا جوازه تأويلًا، وأما الجاهل بكونه فسقًا لم يتكلم فيه الأصوليون، بل هو من وظيفة الفقهاء، وأن الذي أوقع المصنف في هذا عبارة المنهاج: "ولا تقبل رواية من أقدم على الفسق عالمًا، وإن جهل قُبل". وعلى فرض المسألة، فيمن أقدم عليه معتقدًا جوازه بتأويل اختلف فيه:
فذهب الأحناف: إلى أنه لا يفسق بشرب النبيذ، ولعب الشطرنج، وكل متروك التسمية عمدًا من مجتهد، ومقلد، واختاره ابن الحاجب من المالكية.
وذهب الإمام مالك: إلى أنه يفسق مطلقًا، ويحد، وهي رواية عن الإمام أحمد، وبعض أصحابه لأنه مقطوع بفسقه في ذلك.
وذهب الشافعي إلى أنه يحد، وتقبل شهادته بناء على أن فسقه مظنون.
وذهب البعض إلى أنه يفسق، ويحد إذا شرب النبيذ، لكن غير مجتهد أداه اجتهاده إلى إباحته، أو مقلد لذلك المجتهد.
وقيل: لا حد، ولا فسق مطلقًا، وهي رواية للإمام أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية في المسودة. مع العلم أن من أقدم على المفسق، وهو عالم بحرمته، فلا يقبل بالإجماع.
راجع: المستصفى: ١/ ١٦٠، والمحصول: ٢/ ق/ ١/ ٥٧٢، والإحكام للآمدي: ١/ ٢٦٨، وشرح تنقيح الفصول: ص/ ٣٦٢، وشرح النووي على مسلم: ١/ ١١٠، والمختصر مع شرح العضد: ٢/ ٦٢، ٦٣، والمسودة: ص/ ٢٦٥، والإبهاج: ٢/ ٣١٨، وتيسير التحرير: ٣/ ٤٣، والمحلي على جمع الجوامع: ٢/ ١٥١ - ١٥٢، وتشنيف المسامع: ق (٩٠/ أ)، والغيث الهامع: ق (٩٣/ أ)، وهمع الهوامع: ص/ ٢٧٤.

الصفحة 77