كتاب شرح الإلمام بأحاديث الأحكام (اسم الجزء: 3)

الثانية: المَشَقَّةُ: ما يصعب احتماله على النفس، كأنها مشتقة من الشَّق، وهو [الخَرم] الواقع في الشيء، تقول: شقَّه بنصفين، قال الله تعالى: {ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا} [عبس: 26]، وقال: {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا} [ق: 44]، وقد تسمى الأرض ذات الشقوق مَشقة (¬1)، فلعله لما كان سلوكُ مثلِها صعباً على البدن شُبِّهَ به ما يصعب على النفس احتماله، فسُمي مَشقة، أو لعلهما معاً مأخوذان (¬2) من أصل واحد، وهو الشق.
الثالثة: ذكر الراغب: أنَّ الأمةَ: كلُّ جماعة يجمعهم أمرٌ ما؛ إما دين واحد، أو مكان واحد، أو زمان واحد، سواء كان ذلك الأمر الجامع تسخيراً، أو اختيارياً، وجمعها: أُمَم، وقوله - عز وجل - {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام: 38]؛ أيَ: كل نوع منها على طريقةٍ [قد] (¬3) سخَّرها الله عليها بالطبع، فهي من بين ناسِجةٍ كالعنكبوت، وبانيةٍ كالسوس (¬4)، ومدّخرة كالنمل، ومعتمدةٍ على قوت وقتها كالعصفور والحمام.
ثم قال: وقوله: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [البقرة: 213]؛ أي صنفاً
¬__________
(¬1) انظر: "مفردات القرآن" للراغب (ص: 459).
(¬2) في الأصل: "واحدة"، والمثبت من "ت".
(¬3) سقط من "ت".
(¬4) في المطبوع من "مفردات القرآن": "كالسُّرْفة". قلت: وهي دويبة صغيرة تثقب الشجر، تتخذه بيتاً يضرب بها المثل فيقال: أصنع من سُرفة. انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (2/ 361).

الصفحة 66