كتاب تفسير ابن عرفة النسخة الكاملة (اسم الجزء: 3)

ابن عرفة: يريد أنه يحتمل أن يكون من كلام المحكي عنه، ونظير ذلك أن يقول [زيد قال خيرا الحمد لله*]، فيقول: أنت حاكيا لكلام قال زيد خيرا الحمد لله فهذه من كلام المحكي عنه، فإن قال: أقول الحمد لله، فقلت أنت: قال زيد خير الحمد لله فهذه من كلام الحاكي عنه، والقول محكي به الجمل والمفرد المؤدى معناها.
قوله تعالى: (وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ).
وقال في الفريق الآخر (فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ)، ولم يقل دار المتكبرين، فأجاب ابن عرفة: بأن مثوى هي الإقامة والإقامة مطلقة بصدق بأقل الأزمنة كقوله: ولقد كان في قول [ ... ]. ولذلك قال تعالى: (النارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ) ورد القليل يستلزم ذم الكثير من باب أحرى، وأما النار فهي محل للسكنى، والسكنى مظنة الطول فناسب الإتيان بها في محل المدح لأن الإنسان قد يسكن الموضع الزمن القليل ويمل من سكناه ولا يحب البقاء به فأتى به دار الآخرة ليفيد أنها محبوبة مرادة بسكنى الزمن [ ... ] بل إذ ليس فيها مال.
قوله تعالى: (كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتقِينَ).

وهم المتقون المذكورون في قوله تعالى: (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتقَوْا) (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ) جزاؤهم قد ذكر فكيف يشبه النبي نفسه، فأجاب ابن عرفة بوجهين: الأول أن المتقين في قوله تعالى: (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) أنهم الصحابة لأنهم هم الذين حصلت لهم التقوى وحسن نزول الآية والمتقون في قول الله تعالى يجزي الله المتقين يراد بهم عموم المتقين في كل زمن والألف واللام فيه للجنس فشبه جزاء ضيف بجزاء ضيف آخر فالمغايرة على هذا في المخزي، الثاني: إن المغايرة في الجزاء ومعناه مثل ذلك الجزاء بجزي الله المتقين جزاء آخر وذلك رضاه عنهم خير لا بجزاء عليهم أبدا ونظرهم إلى وجهه الكريم، قيل له: يلزمك أن يكون يشبه الأعلى بالأدنى وقد قالوا إن الشبه لَا يقوى قوة المشبه به، فقال: قد ذكروا عكس التشبيه وجعلوا منه (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا)، والبيع متفق عليه والربا مختلف فيه، قلت وأورد ابن عرفة: السؤال مرة أخرى، فقال: قد نص على جزاء المتقين في قوله تعالى: (وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) .. فكيف يقول لذلك يجزي الله المتقين فيلزم عليه الشيء بنفسه، ثم أجاب: بأن الجزاء الأول حاصل لأن الجنة مخلوقة على الصحيح فلهم الآن فيها ما يشاءون

الصفحة 18