كتاب أحكام القرآن للجصاص ت قمحاوي (اسم الجزء: 3)

إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً
وَهَذَا يُوجِبُ أَنَّ كُلَّ مَا ثَبَتَ مِنْ مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَعَلَيْنَا اتِّبَاعُهُ فَإِنْ قِيلَ فَوَاجِبٌ أَنْ تَكُونَ شَرِيعَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ شَرِيعَةُ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قِيلَ لَهُ إنَّ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ دَاخِلَةٌ فِي مِلَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي مِلَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زِيَادَةٌ عَلَى مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ فَوَجَبَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ اتِّبَاعُ مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ إذْ كَانَتْ دَاخِلَةً فِي مِلَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ مُتَّبِعُ مِلَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّبِعًا لِمِلَّةِ إبْرَاهِيمَ وَقِيلَ فِي الْحَنِيفِ إنَّهُ الْمُسْتَقِيمُ فَمَنْ سَلَكَ طَرِيقَ الِاسْتِقَامَةِ فَهُوَ عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْمُعْوَجِّ الرِّجْلِ أَحْنَفُ تَفَاؤُلًا كَمَا قِيلَ لِلْمَهْلَكَةِ مَفَازَةٌ وَلِلَّدِيغِ سَلِيمًا وقوله وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الِاصْطِفَاءُ بِالْمَحَبَّةِ وَالِاخْتِصَاصُ بِالْأَسْرَارِ دُونَ مَنْ لَيْسَ لَهُ تِلْكَ الْمَنْزِلَةُ وَالثَّانِي أَنَّهُ مِنْ الْخُلَّةِ وَهِيَ الْحَاجَةُ فَخَلِيلُ اللَّهِ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُنْقَطِعُ إلَيْهِ بِحَوَائِجِهِ فَإِذَا أُرِيدَ بِهِ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ جَازَ أَنْ يُقَالَ إنَّ إبْرَاهِيمَ خَلِيلُ اللَّهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى خَلِيلُ إبْرَاهِيمَ وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ الْوَجْهُ الثَّانِي لَمْ يَجُزْ أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ بِأَنَّهُ خَلِيلُ إبْرَاهِيمَ وَجَازَ أَنْ يُوصَفَ إبْرَاهِيمُ بِأَنَّهُ خَلِيلُ اللَّهِ
وقَوْله تَعَالَى وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْيَتِيمَةِ تَكُونُ فِي حِجْرِ وَلِيِّهَا فَيَرْغَبُ فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا وَلَا يُقْسِطُ لَهَا فِي صَدَاقِهَا فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ أَوْ يَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ فِي الصَّدَاقِ وقَوْله تَعَالَى وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ يعنى به ما ذكر فِي أَوَّلِ السُّورَةِ مِنْ قَوْله تَعَالَى وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ وقد بيناه في مواضعه والله الموفق.

بَابُ مُصَالَحَةِ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً قِيلَ فِي مَعْنَى النُّشُوزِ إنَّهُ التَّرَفُّعُ عَلَيْهَا لِبُغْضِهِ إيَّاهَا مَأْخُوذٌ مِنْ نَشَزِ الْأَرْضِ وَهِيَ المرتفعة وقوله أَوْ إِعْراضاً يَعْنِي لِمَوْجِدَةٍ أَوْ أَثَرَةٍ فَأَبَاحَ اللَّهُ لَهُمَا الصُّلْحَ
فَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَجَازَ لَهُمَا أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى تَرْكِ بَعْضِ مَهْرِهَا أَوْ بَعْضِ أَيَّامِهَا بِأَنْ تَجْعَلَهُ لِغَيْرِهَا
وَقَالَ عُمَرُ مَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ
وَرَوَى سِمَاكٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ خَشِيَتْ سَوْدَةُ أَنْ يُطَلِّقَهَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تُطَلِّقْنِي وَأَمْسِكْنِي وَاجْعَلْ يَوْمِي لِعَائِشَةَ فَفَعَلَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً
الْآيَةَ فَمَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جائز وقال هشام

الصفحة 269