كتاب أحكام القرآن للجصاص ت قمحاوي (اسم الجزء: 3)

وَالرَّبِيعِ وَالضَّحَّاكِ وَالسُّدِّيِّ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَالثَّوْرِيِّ قَالُوا الْعُقُودُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَرَادَ بِهَا الْعُهُودَ وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ هِيَ عُقُودُ الْجَاهِلِيَّةِ الْحِلْفُ
وَرَوَى جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ وَأَمَّا حِلْفُ الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إلَّا شِدَّةً
وَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ قَالَ سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ حَالَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي دَارِنَا فَقِيلَ لَهُ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ وَمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إلَّا شِدَّةً فَقَالَ حَالَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي دَارِنَا قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ إنَّمَا آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّهُمْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَدْ كَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِالْحِلْفِ دُونَ النَّسَبِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إلَى أَنْ جَعَلَ اللَّهُ ذَوِي الْأَرْحَامِ أَوْلَى من الحليف بقوله وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فَقَدْ كَانَ حِلْفُ الْإِسْلَامِ عَلَى التَّنَاصُرِ وَالتَّوَارُثِ ثَابِتًا صَحِيحًا وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْحِلْفَ عَلَى الْوُجُوهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا الْحِلْفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ بَعْدَ نَسْخِ التَّوَارُثِ بِالْحِلْفِ وَقَدْ كَانَ حِلْفُ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى وُجُوهٍ مِنْهَا الْحِلْفُ فِي التَّنَاصُرِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إذَا حَالَفَهُ دَمِي دَمُك وَهَدْمِي هَدْمُك وَتَرِثُنِي وَأَرِثُك فَيَتَعَاقَدَانِ الْحِلْفَ عَلَى أَنْ يَنْصُرَ كل واحد منهم صَاحِبَهُ فَيَدْفَعَ عَنْهُ وَيَحْمِيَهُ بِحَقٍّ كَانَ ذَلِكَ أَوْ بِبَاطِلٍ وَمِثْلُهُ لَا يَجُوزُ فِي الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَاقَدَا الْحِلْفَ عَلَى أَنْ يَنْصُرَهُ عَلَى الْبَاطِلِ وَلَا أَنْ يَزْوِيَ ميراثه عن ذي أَرْحَامِهِ وَيَجْعَلَهُ لِحَلِيفِهِ فَهَذَا أَحَدُ وُجُوهِ الْحِلْفِ الَّذِي لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي الْإِسْلَامِ وَقَدْ كَانُوا يَتَعَاقَدُونَ الْحِلْفَ لِلْحِمَايَةِ وَالدَّفْعِ وَكَانُوا يَدْفَعُونَ إلَى ضَرُورَةٍ لِأَنَّهُمْ كَانُوا نَشَرًا لَا سُلْطَانَ عَلَيْهِمْ يُنْصِفُ الْمَظْلُومَ مِنْ الظَّالِمِ وَيَمْنَعُ الْقَوِيَّ عَنْ الضَّعِيفِ فَكَانَتْ الضَّرُورَةُ تُؤَدِّيهِمْ إلَى التَّحَالُفِ فَيَمْتَنِعُ بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَكَانَ ذَلِكَ مُعْظَمُ مَا يُرَادُ الْحِلْفُ مِنْ أَجْلِهِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانُوا يَحْتَاجُونَ إلَى الْجِوَارِ وَهُوَ أَنْ يُجِيرَ الرَّجُلُ أَوْ الْجَمَاعَةُ أَوْ الْعِيرُ عَلَى قَبِيلَةٍ وَيُؤَمِّنَهُمْ فَلَا يَنْدَاهُ «1» مَكْرُوهٌ مِنْهُمْ فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ لَا حِلْفَ في الإسلام هذا الضرب من الحلف وكانوا يحتاجون إلى الحلف في أول الإسلام
__________
(1) قوله فلا ينداه مضارع ندب من باب تعب يقال ما ندينى من فلان مكروه أي ما أصابني.

الصفحة 283