كتاب أحكام القرآن للجصاص ت قمحاوي (اسم الجزء: 3)

اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ
يُوجِبُ فَرْضَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ قِيلَ لَهُ أَمَّا
الْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً ثُمَّ قَالَ هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ
فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَنَّهُ تَمَضْمَضَ فِيهِ وَاسْتَنْشَقَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِيهِ الْوُضُوءَ فَحَسَبِ وَالْوُضُوءُ هُوَ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَجَائِزٌ أَنْ لَا يَكُونَ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ فِي ذَلِكَ الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ تَوْقِيفَهُمْ عَلَى الْمَفْرُوضِ الَّذِي لَا يُجْزِي غَيْرُهُ فَإِذًا لَا دَلَالَةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ عَلَى مَا قَالَ هَذَا الْقَائِلُ وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ تَمَضْمَضَ واستنشق لم يجز أن يراد فِي حُكْمِ الْآيَةِ وَكَذَلِكَ
قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالِغْ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا
لَا يَجُوزُ الِاعْتِرَاضُ بِهِ عَلَى الْآيَةِ فِي إثْبَاتِ الزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُزَادَ فِي حُكْمِ الْقُرْآنِ بخبر الواحد
وقد حدثنا عبد الباقي ابن قَانِعٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مَيْسَرَةَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْعَلَاءِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَيْمُونِ بْنِ عَطَاءٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ سُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ فَتَوَضَّأَ وَكَفَأَ عَلَى يَدَيْهِ مَرَّةً وَغَسَلَ وَجْهَهُ مَرَّةً وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ مَرَّةً وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَغَسَلَ قَدَمَيْهِ مَرَّةً وَقَالَ هَذَا الْوُضُوءُ الَّذِي افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا ثُمَّ أَعَادَ ذَلِكَ فَقَالَ مَنْ ضَاعَفَ ضَاعَفَ اللَّهُ له ثم أعاد الثالثة فقال هذا وضوؤنا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ فَمَنْ زَادَ فَقَدْ أَسَاءَ
فَأَخْبَرَتْ بِوُضُوئِهِ مِنْ غَيْرِ مَضْمَضَةٍ وَلَا اسْتِنْشَاقٍ لِأَنَّهُ قَصَدَ بَيَانَ الْمَفْرُوضِ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ فَرْضًا فِيهِ لَفَعَلَهُ.

بَابُ غَسْلِ اللِّحْيَةِ وَتَخْلِيلِهَا
قَالَ الله تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْوَجْهَ مَا وَاجَهَكَ مِنْ الْإِنْسَانِ فَاحْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ اللِّحْيَةُ مِنْ الْوَجْهِ لِأَنَّهَا تُوَاجِهُ الْمُقَابِلَ لَهُ غَيْرَ مُغَطَّاةٍ فِي الْأَكْثَرِ كَسَائِرِ الْوَجْهِ وَقَدْ يُقَالُ أَيْضًا خَرَجَ وَجْهُهُ إذَا خَرَجَتْ لِحْيَتُهُ فَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ اللِّحْيَةُ مِنْ الْوَجْهِ فَيَقْتَضِي ظَاهِرُ ذَلِكَ وُجُوبَ غَسْلِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَيْسَتْ مِنْ الْوَجْهِ وَإِنَّمَا الْوَجْهُ مَا وَاجَهَك مِنْ بَشَرَتِهِ دون الشعر النابت عليه بعد ما كَانَتْ الْبَشَرَةُ ظَاهِرَةً دُونَهُ وَلِمَنْ قَالَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنْ يَقُولَ نَبَاتُ الشَّعْرِ عَلَيْهِ بَعْدَ ظُهُورِ الْبَشَرَةِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْوَجْهِ كَمَا أَنَّ شَعْرَ الرَّأْسِ مِنْ الرأس وقد قال الله تعالى وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ فَلَوْ مَسَحَ عَلَى شَعْرِ رَأْسِهِ مِنْ غَيْرِ إبْلَاغِ الْمَاءِ بَشَرَتَهُ كَانَ مَاسِحًا عَلَى الرَّأْسِ وَفَاعِلًا لِمُقْتَضَى الْآيَةِ عِنْدَ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فَكَذَلِكَ نَبَاتُ الشَّعْرِ عَلَى الْوَجْهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ

الصفحة 341