كتاب أحكام القرآن للجصاص ت قمحاوي (اسم الجزء: 3)

فَإِنَّا قُلْنَا إنَّ الْأُذُنَيْنِ تَابِعَتَانِ لِلرَّأْسِ عَلَى مَا بَيَّنَّا لَا عَلَى أَنَّهُمَا الْأَصْلُ أَلَا تَرَى أَنَّا لَا نُجِيزُ الْمَسْحَ عَلَيْهِمَا دُونَ الرَّأْسِ فَكَيْفَ يَلْزَمُنَا أَنْ نَجْعَلَهُمَا أَصْلًا فِي الحلق وأما قول الحسن ابن صَالِحٍ فِي غَسْلِ بَاطِنِ الْأُذُنَيْنِ وَمَسْحِ ظَاهِرِهِمَا فَلَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَاطِنُهُمَا مَغْسُولًا لَكَانَتَا مِنْ الْوَجْهِ فَكَانَ يَجِبُ غَسْلُهُمَا ولما وافقنا على أن ظاهرهما ممسوح مع الرَّأْسِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ الرَّأْسِ وَلِأَنَّا لَمْ نَجِدْ عُضْوًا بَعْضُهُ مِنْ الرَّأْسِ وَبَعْضُهُ مِنْ الْوَجْهِ وَقَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ مَسَحَ مَا تَحْتَ أُذُنَيْهِ مِنْ الرَّأْسِ لَمْ يُجْزِهِ مِنْ الْفَرْضِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْقَفَا وَلَيْسَ هُوَ مِنْ مَوَاضِعِ فَرْضِ الْمَسْحِ فَلَا يُجْزِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ شَعْرُهُ قَدْ بَلَغَ مَنْكِبَهُ فَمَسَحَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مِنْ شَعْرِهِ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ مَسْحِ رَأْسِهِ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ هُوَ جَائِزٌ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ إنْ تَطَاوَلَ أَوْ تَشَاغَلَ بِعَمَلِ غَيْرِهِ ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ مِنْ أَوَّلِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ قَوْله تَعَالَى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ الْآيَةُ فَإِذَا أَتَى بِالْغَسْلِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ فَعَلَهُ فَقَدْ قَضَى عُهْدَةَ الْآيَةِ وَلَوْ شَرَطْنَا فيه وترك الفريق الموالاة كَانَ فِيهِ إثْبَاتُ زِيَادَةٍ فِي النَّصِّ وَالزِّيَادَةُ فِي النَّصِّ تُوجِبُ نَسْخَهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَالْحَرَجُ الضِّيقُ فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ الْمَقْصِدَ حُصُولُ الطَّهَارَةِ وَنَفْيُ الْحَرَجِ وَفِي قَوْلِ مُخَالِفِينَا إثْبَاتُ الْحَرَجِ مَعَ وُقُوعِ الطَّهَارَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ الْآيَةُ فَأَخْبَرَ بِوُقُوعِ التَّطْهِيرِ بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْمُوَالَاةِ فَحَيْثُمَا وُجِدَ كَانَ مُطَهِّرًا بِحُكْمِ الظَّاهِرِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً وَمَعْنَاهُ مُطَهِّرًا فَحَيْثُمَا وُجِدَ فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ هَذَا حُكْمَهُ وَلَوْ مَنَعْنَا الطَّهَارَةَ مَعَ وُجُودِ الْغَسْلِ لِأَجْلِ التَّفْرِيقِ كُنَّا قَدْ سَلَبْنَاهُ الصِّفَةَ الَّتِي وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا مِنْ كَوْنِهِ طَهُورًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ حَدَّثَنَا علي بن محمد بْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ قَالَ حَدَّثَنَا مُسَدِّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عبيد الله عن الحسين بن سعد عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي اغْتَسَلْت مِنْ الْجَنَابَةِ وَصَلَّيْت الْفَجْرَ فَلَمَّا أَصْبَحْت رَأَيْت بِذِرَاعَيَّ قَدْرَ مَوْضِعِ الظُّفُرِ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو مسحت عليه بيدك أجزك فَأَجَازَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ بَعْدَ تَرَاخِي الْوَقْتِ
وَلَمْ يَأْمُرْهُ

الصفحة 363