كتاب فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري (اسم الجزء: 3)

قوله: (فإنّه يبعث يوم القيامة ملبّياً) أي: على هيئته التي مات عليها , ولمسلم " ملبداً " بدالٍ بدل التّحتانيّة، والتّلبيد جمع الشّعر بصمغٍ أو غيره ليخف شعثه، وكانت عادتهم في الإحرام أن يصنعوا ذلك.
وقد أنكر عياض هذه الرّواية , وقال: ليس للتّلبيد معنًى.
وللبخاري بلفظ " فإنه يبعث يهلّ " ورواه النّسائيّ بلفظ " فإنّه يبعث يوم القيامة محرماً " لكن ليس قوله ملبّداً فاسد المعنى , بل توجيهه ظاهر.
واستدل بذلك على بقاء إحرامه خلافاً للمالكيّة والحنفيّة.
وقد تمسّكوا من هذا الحديث بلفظةٍ اختلف في ثبوتها وهي قوله " ولا تخمّروا وجهه " فقالوا: لا يجوز للمحرم تغطية وجهه، مع أنّهم لا يقولون بظاهر هذا الحديث فيمن مات محرماً.
وأمّا الجمهور. فأخذوا بظاهر الحديث , وقالوا: إنّ في ثبوت ذكر الوجه مقالاً، وتردّد ابن المنذر في صحّته.
وقال البيهقيّ: ذِكْر الوجه غريبٌ , وهو وهم من بعض رواته.
وفي كلّ ذلك نظرٌ. فإنّ الحديث ظاهره الصّحّة , ولفظه عند مسلم من طريق إسرائيل عن منصور وأبي الزّبير كلاهما عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس فذكر الحديث. قال منصور: " ولا تغطّوا وجهه " , وقال أبو الزّبير: " ولا تكشفوا وجهه ".
وأخرجه النّسائيّ من طريق عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير

الصفحة 454